{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } : إذ معمول لعذبنا ، أو لو صدوكم ، أو لا ذكر مضمرة .
والحمية : الأنفة ، يقال : حميت عن كذا حمية ، إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله ، قال المتلمس :
إلا أنني منهم وعرضي عرضهم *** كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما
وقال الزهري : حميتهم : أنفتهم عن الإقرار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ، والذي امتنع من ذلك هو سهيل بن عمرو .
وقال ابن بحر : حميتهم : عصبيتهم لآلهتهم ، والأنفة : أن يعبدوا وغيرها .
وقيل : قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا ، واللات والعزى لا يدخلها أبداً ؛ وكانت حمية جاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها ، وإنما ذلك محض تعصب لأنه صلى الله عليه وسلم إنما جاء معظماً للبيت لا يريد حرباً ، فهم في ذلك كما قال الشاعر في حمية الجاهلية :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غوين وإن ترشد غزية أرشد
وحمية : بدل من الحمية والسكينة الوقار والاطمئنان ، فتوقروا وحلموا ؛ و { كلمة التقوى } : لا إله إلا الله .
روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمرو بن ميمون ، وقتادة ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وسلمة بن كهيل ، وعبيد بن عمير ، وطلحة بن مصرف ، والربيع ، والسدي ، وابن زيد .
وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضاً : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
وقال علي بن أبي طالب ، وابن عمر ، رضي الله تعالى عنهما : لا إله إلا الله ، والله أكبر .
وقال أبو هريرة ، وعطاء الخراساني : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأضيفت الكلمة إلى التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها .
وقيل : هو على حذف مضاف ، أي كلمة أهل التقوى .
وقال المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم : كلمة التقوى هنا هي بسم الله الرحمن الرحيم ، وهي التي أباها كفار قريش ، فألزمها الله المؤمنين وجعلهم أحق بها .
والظاهر أن الضمير في : { وكانوا } عائد على المؤمنين ، والمفضل عليهم محذوف ، أي { أحق بها } من كفار مكة ، لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وقيل : من اليهود والنصارى ، وهذه الأحقية هي في الدنيا .
وقيل : أحق بها في علم الله تعالى .
وقيل : { وأهلها } في الآخرة بالثواب .
وقيل : الضمير في وكانوا عائد على كفار مكة لأنهم أهل حرم الله ، ومنهم رسوله لولا ما سلبوا من التوفيق .
{ وكان الله بكل شيء عليماً } ، إشارة إلى علمه تعالى بالمؤمنين ورفع الكفار عنهم ، وإلى علمه بصلح الكفار في الحديبية ، إذ كان سبباً لامتزاج العرب وإسلام كثير منهم ، وعلو كلمة الإسلام ؛ وكانوا عام الحديبية ألفاً وأربعمائة ، وبعده بعامين ساروا إلى مكة بعشرة آلاف .
وقال أبو عبد الله الرازي : في هذه الآية لطائف معنوية ، وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن .
باين بين الفاعلين ، إذ فاعل جعل هو الكفار ، وفاعل أنزل هو الله تعالى ؛ وبين المفعولين ، إذ تلك حمية ، وهذه سكينة ؛ وبين الإضافتين ، أضاف الحمية إلى الجاهلية ، وأضاف السكينة إلى الله تعالى .
وبين الفعل جعل وأنزل ؛ فالحمية مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى ، والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها .
والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحاً بالإضافة إلى الجاهلية ، والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسناً بإضافتها إلى الله تعالى .
والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة ، تقول : أكرمني فأكرمته ، فدلت على المجازاة للمقابلة ، ولذلك جعل فأنزل .
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أجاب أولاً إلى الصلح ، وكان المؤمنون عازمين على القتال ، وأن لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح مكة أو النحر في المنحر ، وأبوا إلا أن يكتبوا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وباسم الله ، قال تعالى : { على رسوله } .
ولما سكن هو صلى الله عليه وسلم للصلح ، سكن المؤمنون ، فقال : { وعلى المؤمنين } .
ولما كان المؤمنون عند الله تعالى ، ألزموا تلك الكلمة ، قال تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وفيه تلخيص ، وهو كلام حسن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.