البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

فلما تم الإخبار ، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر ، وتعين وروده عند السامع :

فمنها : { إذ يتلقى المتلقيان } ، ومنها مجيء سكرة الموت ، ومنها : النفخ في الصور ، ومنها : مجيء كل نفس معها سائق وشهيد .

والمتلقيان : الملكان الموكلان بكل إنسان ؛ ملك اليمين يكتب الحسنات ، وملك الشمال يكتب السيئات .

وقال الحسن : الحفظة أربعة ، اثنان بالنهار واثنان بالليل .

وقعيدة : مفرد ، فاحتمل أن يكون معناه : مقاعد ، كما تقول : جليس وخليط : أي مجالس ومخالط ، وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة ، كعليم .

قال الكوفيون : مفرد أقيم مقام اثنين ، والأجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، أي عن اليمين قعيد ، كما قال الشاعر :

رماني بأمر كنت منه ووالدي *** بريئاً ومن أجل الطوى رماني

على أحسن الوجهين فيه ، أي كنت منه برياً ، ووالدي برياً .

ومذهب المبرد أن التقدير عن اليمين قعيد ، وعن الشمال ، فأخر قعيد عن موضعه .

ومذهب الفراء أن لفظ قعيد يدل على الاثنين والجمع ، فلا يحتاج إلى تقدير .