البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ} (36)

الغسلين ، قال اللغويون : ما يجري من الجراح إذا غسلت .

{ ولا طعام إلا من غسلين } ، قال ابن عباس : هو صديد أهل النار .

وقال قتادة وابن زيد : هو والزقوم أخبث شيء وأبشعه .

وقال الضحاك والربيع : هو شجر يأكله أهل النار .

وقيل : هو شيء يجري من أهل النار ، يدل على هذا قوله في الغاشية : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } فهما شيء واحد أو متداخلان .

قيل : ويجوز أن يكونا متباينين ، وأخبر بكل واحد منهما عن طائفة غير الطائفة التي الآخر طعامها ، وله خبر ليس .

وقال المهدوي : ولا يصح أن يكون هاهنا ، ولم يبين ما المانع من ذلك .

وتبعه القرطبي في ذلك وقال : لأن المعنى يصير ليس هاهنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك لأن ثم طعاماً غيره ، وهاهنا متعلق بما في له من معنى الفعل .

انتهى .

وإذا كان ثم غيره من الطعام ، وكان الأكل غير أكل آخر ، صح الحصر بالنسبة إلى اختلاف الأكلين .

وأما إن كان الضريع هو الغسلين ، كما قال بعضهم ، فلا تناقض ، إذ المحصور في الآيتين هو شيء واحد ، وإنما يمتنع ذلك من وجه غير ما ذكره ، وهو أنه إذا جعلنا الخبر هاهنا ، كان له واليوم متعلقين بما تعلق به الخبر ، وهو العامل في ههنا ، وهو عامل معنوي ، فلا يتقدم معموله عليه .

فلو كان العامل لفظياً جاز ، كقوله تعالى : { ولم يكن له كفواً أحد } فله متعلق بكفواً وهو خبر ليكن .