البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (13)

{ ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ألا حرف عرض ، ومعناه هنا الحض على قتالهم .

وزعموا أنها مركبة من همزة الاستفهام ، ولا النافية ، فصار فيها معنى التخصيص .

وقال الزمخشري : دخلت الهمزة على تقرير على انتفاء المقاتلة ، ومعناها : الحض عليها على سبيل المبالغة .

ولما أمر تعالى بقتل أهل الكفر أتبع ذلك بالسبب الذي يبعث على مقاتلتهم وهو ثلاثة أشياء جمعوها ، وكل واحد منها على انفراده كاف في الحض على مقاتلتهم .

ومعنى نكثوا أيمانهم : نقض العهد .

قال السدي ، وابن إسحاق ، والكلبي : نزلت في كفار مكة ، نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية ، وأعانوا بني بكر على خزاعة انتهى .

وهمهم هو همّ قريش بإخراج الرسول من مكة حين تشاوروا بدار الندوة ، فأذن الله في الهجرة ، فخرج بنفسه ، أو بنو بكر بإخراجه من المدينة لما أقدموا عليه من المشاورة والاجتماع ، أو اليهود ، هموا بغدر الرسول صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهده وأعانوا المنافقين على إخراجه من المدينة ، ثلاثة أقوال أولها للسدي .

وقال الحسن : من المدينة .

قال ابن عطية : وهذا مستقيم لغزوة أحد والأحزاب وغيرهما ، وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولاً بالكتاب المبين وتحدّاهم به ، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال ، فهم البادئون ، والبادىء أظلم ، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله تصدمونهم بالشر كما صدموكم ؟ وبخهم بترك مقاتلتهم ، وحضهم عليها ، ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها .

وتقرر أنّ من كان في مثل صفاتهم من نكث العهود وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب حقيق بأنْ لا تترك مصادمته ، وأن يوبخ من فرط فيها ، قاله : الزمخشري وهو تكثير .

وقال ابن عطية : أول مرة .

قيل : يريد أفعالهم بمكة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .

وقال مجاهد : ما بدأت به قريش من معونة بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان هذا بدء النقض .

وقال الطبري : يعني فعلهم يوم بدر انتهى .

وقرأ زيد بن علي : بدوكم بغير همز ، ووجهه أنه سهل الهمزة من بدأت بإبدالها ياء ، كما قالوا في قرأت : قريت ، فصار كرميت .

فلما أسند الفعل إلى واو الضمير سقطت ، فصار بدوكم كما تقول : رموكم .

أتخشونهم تقرير للخشية منهم ، وتوبيخ عليها .

فالله أحق أن تخشوه فتقتلوا أعداءه .

ولفظ الجلالة مبتدأ وخبره أحق ، وأن تخشوه بدل من الله أي : وخشية الله أحق من خشيتهم وأن تخشوه في موضع رفع ، ويجوز أن تكون في موضع نصب أو جر على الخلاف إذا حذف حرف الجر ، وتقديره : بأن تخشوه أي أحق من غيره بأن تخشوه .

وجوز أبو البقاء أن يكون أن تخشوه مبتدأ ، وأحق خبره قدم عليه .

وأجاز ابن عطية أن يكون أحق مبتدأ وخبره أن تخشوه ، والجملة خبر عن الأول .

وحسن الابتداء بالنكرة لأنها أفعل التفضيل ، وقد أجاز سيبويه أنْ تكون المعرفة خبراً للنكرة في نحو : اقصد رجلاً خير منه أبوه .

إن كنتم مؤمنين أي كاملي الإيمان ، لأنهم كانوا مؤمنين .

وقال الزمخشري : يعني أنّ قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه كقوله تعالى : { ولا يخشون أحداً إلا الله }