السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (13)

ولما قال تعالى : { فقاتلوا أئمة الكفر } أتبعه بذكر ثلاثة أسباب تبعثكم على مقاتلتهم ، كل واحد منها يوجب مقاتلتهم لو انفرد ، فكيف بها حال الاجتماع : أحدها ما ذكره تعالى بقوله :

{ ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم } أي : نقضوا عهودهم وهم الذين نقضوا عقد الصلح بالحديبية وأعانوا بني بكرة على خزاعة وهذا يدلّ على أنّ قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجراً لغيرهم وثانيها قوله تعالى : { وهموا بإخراج الرسول } من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة على ما ذكر في قوله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } ( الأنفال : 30 ) وقيل : هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة وهذا من أوكد ما يجب القتال لأجله . وثالثها قوله تعالى : { وهم بدؤوكم } أي : بالقتال { أوّل مرّة } أي : هم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم بالكتاب المنير وتحدّاهم به ، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال فهم البادؤون بالقتال والبادئ أظلم ، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم ، وبخهم الله تعالى بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها ، وتقرر أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب حقيق بأن لا تترك مصادمته ، وأن يوبخ من فرّط فيها . { أتخشونهم } أي : أتخافونهم أيها المؤمنون فتتركون قتالهم { فالله أحق أن تخشوه } فقاتلوا أعداءه { إن كنتم مؤمنين } أي : مصدقين بوعد الله تعالى ووعيده ؛ لأنّ قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه كقوله تعالى : { ولا يخشون أحداً إلا الله } ( الأحزاب ، 39 ) .