غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (13)

1

ثم شرع في ذكر سائر الأسباب المحرّضة على القتال فقال { ألا تقاتلون } قال أهل المعاني : إذا قلت : ألا تفعل كذا . فإنما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده . وإذا قلت : ألست تفعل تقول في ذلك في فعل تحقيق وجوده . والفرق أن «لا » ينفي بها المستقبل فإذا دخلت عليه الألف صار تحضيضاً على فعل ما يستقبل و «ليس » مستعمل في نفي الحال فإذا دخلت عليه الألف صار لتحقيق الحال . قال ابن إسحاق والسدي والكلبي : نزلت في كفار مكة نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة وهموا بإخراج الرسول من مكة حتى هاجر أو من المدينة . يريد اليهود هموا بإخراجه منها ونكثوا عهده وظاهروا أبا سفيان عليه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب . وقيل : همت قريش يوم الحديبية بأن يدخلوه صلى الله عليه وسلم مكة ثم يخرجوه قبل أن يتم حجه استخفافاً به صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا أريد بالهم العزم على الفعل وإن لم يوجد { وهم بدؤكم أول مرّة } بالقتال يعني يوم بدر لأنهم حين سلم العير قالوا : لا ننصرف حتى نستأصل محمداً ومن معه . أو المراد أنهم قاتلوا حلفاءه من خزاعه ، أو المراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم أولاً بالكتاب المنير وتحداهم به فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى المقاتلة والبادئ أظلم . والحاصل أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء للقتال حقيق بأن لا تترك مقاتلته وأن يوبخ من فرط فيها . ثم زاد في التوبيخ فقال فيه { أتخشونهم } تقريراً للخشية منهم وتقوية لداعية القتال كما إذا قلت للرجل : أتخشى خصمك لأنه يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفاً من خصمه . ثم بيّن ما يجب أن يكون الأمر عليه قائلاً { فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } يعني أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا الله ، لأن قدرته أتم وعقابه أشدّ بل لا قدرة إلا له ولا يكون إلا ما يريد . وفي الفاء نوع من تعليل لأن الاستفهام في معنى النهي كأنه قيل : لا تخشوهم لأن الله أحق بالخشية وأحرى بالطاعة ، وفيه نوع مجازاة كأنه قيل : إن صح أنكم مؤمنون فلا تخشوا إلا الله .

/خ16