البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

{ أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } تقدّم تفسير نظير هذه الجملة ، والمعنى : أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلَّص منكم وهم المجاهدون في سبيل الله الذين لم يتخذوا بطانة من دون الله من غيرهم .

{ ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } ولم يتخذوا معطوف على جاهدوا .

غير متخذين وليجة ، والوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل ، وهي البطانة .

والمدخل يدخل فيه على سبيل الاستسرار ، شبه النفاق به .

وقال قتادة : الوليجة الخيانة .

وقال الضحاك : الخديعة .

وقال عطاء : الأودّاء .

وقال الحسن : الكفر والنفاق .

وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم ، وليجة يكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد .

وليجة الرجل من يختص بدخيلة أمره من الناس ، وجمعها ولائج وولج ، كصحيفة وصحائف وصحف .

وقال عبادة بن صفوان الغنوي :

ولائجهم في كل مبدي ومحضر *** إلى كل من يرجى ومن يتخوف

وفي هذه الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج لا سيما عند فرض القتال ، والمعنى : لا بد من اختباركم أيها المؤمنون كقوله : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ولما كان الرجل قد يجاهد وهو منافق نفى هذا الوصف عنه ، فبين أنه لا بد للجهاد من الإخلاص خالياً عن النفاق والرياء والتودّد إلى الكفار .

{ والله خبير بما تعلمون } قرأ الجمهور بالتاء على الخطاب مناسبة لقوله : أم حسبتم .

وقرأ الحسن ويعقوب في رواية رويس وسلام بالياء على الغيبة التفاتاً .