أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

شرح الكلمات :

أي نزه اسم ربك أن يُسمى به غيره وأن يذكر بسخرية أو لعب أي لا يذكر إلا بإجلال وإكبار ونزه ربك عما لا يليق به من الشرك والصاحبة والولد والشبيه والنظير .

{ الأعلى } : أي فوق كل شيء والقاهر لكل شيء .

المعنى :

قوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى } هذا أمر من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته تابعة له بأن ينزه اسم ربّه عن أن يسمى به غيره ، أو أن يذكر في مكان قذر ، أو أن يذكر بعدم إجلال واحترام ، والأعلى صفة للربّ تبارك وتعالى دالة على علوه على خلقه فالخلق كله تحته وهو قاهر له وحاكم فيه .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب تسبيح اسم الله وتنزيهه عما لا يليق به كوجوب تنزيه ذات الله تعالى عن كل مالا يليق بجلاله وكماله .

- مشروعية قول سبحان ربّي الأعلى عند قراءة هذه الآية سبح اسم ربك الأعلى .

- وجوب التسبيح بها في السجود في كل سجدة من الصلاة سبحان ربي الأعلى ثلاثا فأكثر .

- مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر فيقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والأعلى وفي الثانية بالفاتحة والكافرون ، وفي ركعة الوتر بالفاتحة والصمد أو الصمد والمعوذتين .

- أحب الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الأعلى لأنها سورة ربّه وأن ربّه بشره فيها بشارتين عظيمتين الأولى أنه يُيسره لليسرى ، ومن ثم ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما والثانية أنه حفظه من النسيان بأن جعله لا ينسى . ولذا كان يُصلي بهذه السورة الجمع والأعياد والوتر في كل ليلة فصلى الله عليه وسلم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجمهور . وقال الضحاك : مدنية . وهي تسع عشرة آية .

يستحب للقارئ إذا قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " أن يقول عقبه : سبحان ربي الأعلى . قاله النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين ، على ما يأتي . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : ( إن لله تعالى ملكا يقال له حِزقيائيل ، له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام ، فخطر له خاطر هل تقدر أن تبصر العرش جميعه ؟ فزاده اللّه أجنحة مثلها ، فكان له ستة وثلاثون ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام . ثم أوحى اللّه إليه : أيها الملك ، أن طر ، فطار مقدار عشرين ألف سنة ، فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش . ثم ضاعف اللّه له في الأجنحة والقوة ، وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف سنة أخرى ، فلم يصل أيضا ، فأوحى اللّه إليه أيها الملك ، لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي . فقال الملك : سبحان ربي الأعلى ، فأنزل اللّه تعالى : " سبح اسم ربك الأعلى " . فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم ) . ذكره الثعلبي في ( كتاب العرائس ) له . وقال ابن عباس والسدي : معنى " سبح اسم ربك الأعلى " أي عظم ربك الأعلى . والاسم صلة ، قصد بها تعظيم المسمى ، كما قال لبيد :

إلى الحول ثم اسمُ السلامِ عليكُمَا{[15956]}

وقيل : نزه ربك عن السوء ، وعما يقول فيه الملحدون . وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمي به أحدا سواه . وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه ، أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم ، ولذكره محترم . وجعلوا الاسم بمعنى التسمية ، والأولى أن يكون الاسم هو المسمى . روى نافع عن ابن عمر قال : لا تقل على اسم اللّه ، فإن اسم اللّه هو الأعلى . وروى أبو صالح عن ابن عباس : صلّ بأمر ربك الأعلى . قال : وهو أن تقول سبحان ربك الأعلى . وروي عن علي رضي اللّه عنه ، وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي اللّه عنهم : أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا : سبحان ربي الأعلى ؛ امتثالا لأمره في ابتدائها . فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم ، لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن ، كما قاله بعض أهل الزيغ . وقيل : إنها في قراءة أُبيّ : " سبحان ربي الأعلى " . وكان ابن عمر يقرؤها كذلك . وفي الحديث : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قرأها قال : [ سبحان ربي الأعلى ] .

قال أبو بكر الأنباري : حدثني محمد بن شهريار ، قال : حدثنا حسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا عيسى بن عمر ، عن أبيه ، قال : قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة " سبح اسم ربك الأعلى " ، ثم قال : سبحان ربي الأعلى ، فلما انقضت الصلاة قيل له : يا أمير المؤمنين ، أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى . قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته ، وعن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( اجعلوها في سجودكم ) . وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربك الأعلى . وقيل : إن أول من قال [ سبحان ربي الأعلى ] ميكائيل عليه السلام . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لجبريل : ( يا جبريل أخبرني بثواب من قال : سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته ) . فقال : ( يا محمد ، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده ، إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا ، ويقول اللّه تعالى : صدق عبدي ، أنا فوق كل شيء ، وليس فوقي شيء ، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له ، وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم ، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه ، فأوقفه بين يدي اللّه تعالى ، فيقول : يا رب شفعني فيه ، فيقول قد شفعتك فيه ، فاذهب به إلى الجنة ) . وقال الحسن : " سبح اسم ربك الأعلى " أي صل لربك الأعلى . وقل : أي صل بأسماء اللّه ، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية{[15957]} . وقيل : ارفع صوتك بذكر ربك . قال جرير :

قَبحَ الإلهُ وجوهَ تَغْلِبَ كلَّمَا *** سَبَحَ الحجيجُ وكبَّرُوا تكبيرا


[15956]:تمامه: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * والبيت من قصيدة له، يخاطب بها ابنتيه، مطلعها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما *** وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
[15957]:المكاء: الصفير. والتصدية التصفيق. قال ابن عباس: "كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفقون ويصفرون" فكان ذلك عبادة في ظنهم".