أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{ثُمَّ قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيۡنَا بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَۖ وَجَعَلۡنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ فَـَٔاتَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (27)

شرح الكلمات :

{ ثم قفينا على آثارهم برسلنا } : أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهينا إلى عيسى .

{ وقفينا بعيسى بن مريم } : أي أتبعانهم بعيسى بن مريم لتأخره عنهم في الزمان .

{ وجعلنا في قلوب الذي اتبعوه } : أي على دنيه وهم الحواريون وأتباعهم .

{ رأفة ورحمة } : أي ليناً وشفقة .

{ ورهبانية ابتدعوها } : أي وابتدعوا رهبانية لم يكتبها الله عليهم . وهي اعتزال النساء والانقطاع في الأديرة والصوامع للتعبد .

{ إلا ابتغاء رضوان الله } : أي إلا طلبا لرضوان الله عز وجل .

{ فما رعوها حق رعايتها } : أي لم يلتزموا بما نذروه على أنفسهم من الطاعات .

{ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } : أي فأعطينا الذي ثبتوا على إيمانهم وتقواهم أجرهم .

{ وكثر منهم فاسقون } : لا أجر لهم ولا ثواب إلا العقاب .

المعنى :

وقوله { ثم قفينا على آثارهم برسلنا } أي رسولا بعد رسول إلى عيسى بن مريم ، وقفينا بعيسى بن مريم أي أتبعاتهم بعيسى بن مريم كل ذلك لهداية العباد إلى ما يكملهم ويسعدهم وقوله { وآتيناه الإِنجيل } أي آتينا عيسى بن مريم الإِنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة والرأفة اللين وأشد الرحمة . وقوله { ورهبانية ابتدعوها } أي ابتدعها الذين اتبعوا عيسى { ما كتبناها عليهم } أي لم يكتبها الله تعالى عليهم لما فيها من التشديد ولكن ما ابتدعوها إلا طلباً لرضوان الله ومرضاته فما رعوها حق رعايتها حيث لم يوفوا بما التزموا به من ترك الدنيا والإِقبال على الآخرة حيث تركوا النساء ولبسوا الخشن من الثياب وأكلوا الخشن من الطعام ونزلوا الصوامع والأديرة .

ولهذه الرهبانية سبب مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما نذكره باختصار للفظه ومعناه قال كان بعد عيسى ملوك بدلوا التوراة وحرفوا الإِنجيل وألزموا العامة بذلك ، وكان بينهم جماعة رفضُوا ذلك التحريف للدين ولم يقبلوه ففروا بدينهم ، والتحقوا بالجبال وانقطعوا عن الناس مخافة قتلهم أو تعذيبهم لمخالفتهم دين ملوكهم المحدث الجديد فهذا الانقطاع بداية الرهبانية ، وعاش أولئك المؤمنون وماتوا وجاء جيل من أبناء الدين المحرف فذكروا سيرة الصالحين الأولين فأرادوا أن يفعلوا فعلهم فانقطعوا إلى الصوامع والأديرة ، ولكنهم جهال وعلى دين محرف مبدّل فاسد فما انتفعوا بالرهبانية المبتدعة وفسق أكثرهم عن طاعة الله ورسوله .

وهو ما دل عليه قول الله تعالى : { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } وهم الأولون المؤمنون الذي فروا من الكفر والتعذيب وعبدوا الله تعالى بما شرع ، وقوله { وكثير منهم فاسقون } وهم الذين أتوا من بعدهم إلى يومنا هذا إذ هم يعبدون الله بدين محرف باطل ولم يلتزموا بالرهبنة الصادقة بالزهد في الدنيا والإِقبال على الآخرة .

/ذ26