جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ثُمَّ قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيۡنَا بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَۖ وَجَعَلۡنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ فَـَٔاتَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (27)

{ ثم قفينا على آثارهم } : آثار نوح وإبراهيم عليهما السلام ، ومن عاصرهما ، { برسلنا وقفينا } : هم ، { بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه } أي : عيسى ، { رأفة } : رقة شديدة ، { ورحمة } : كانوا متوادين رحماء ، { ورهبانية ابتدعوها } ، منصوبة على شريطة التفسير أي : وابتدعوا رهبانية يعني جاءوا بالرياضة الشاقة ، والانقطاع عن الناس من عند أنفسهم ، { ما كتبنا {[4931]} عليهم } : ما أمرناهم بها ، { إلا ابتغاء رضوان الله } : لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تعالى { فما رعوها حق رعايتها } : ذم بوجهين الابتداع في دين الله تعالى ، وعدم القيام بما التزموا مما زعموا أنه قربة ، { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } : وهم الثابتون على دين عيسى- عليه السلام- والرهبانية ، { وكثير منهم فاسقون } : الذين غيروا دين عيسى عن ابن مسعود قال- عليه الصلاة والسلام{[4932]} : " هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال " ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان ، فقاتلوهم فهزم المؤمنون ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى يعنون : محمدا صلى الله عليه وسلم- فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية " ، وفي رواية " فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم الذين آمنوا بي ، وكثير منهم فاسقون الذين كذبوني " ،


[4931]:أخرج أبو داود، وأبو يعلى الضياء عن أنس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم" فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع، والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم [وذكره ابن كثير في "تفسيره" (4/316)] وعزاه لأبي يعلي الموصلي]/12-12 در منثور.
[4932]:أخرج معنى هذا الحديث عبد بن حميد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي شعب الإيمان من طرق عن ابن مسعود ]وفي بعض طرقه داود بن المحبر وهو أحد الوضاعين للحديث. ولكن أسند أبو يعلي من طريق آخر فقوى الحديث من هذا الوجه، كذا قال ابن كثير في "تفسيره" (4/316)]/12 در منثور.