الآية 27 وقوله تعالى : { ثم قفينا على آثارهم برسلنا } أخبر أنه جعل في ذريتهما النبوة والكتاب ، وبعث منهم رسلا ؛ ذكر في الآية الأولى أنه جعل في ذريتهما النبوة والكتاب ، ولم يذكر الرسالة ، وذكر في هذه الآية الرسالة فيهم وفي ذريتهم ، أي أرسلنا رسولا على إثر رسول ، وأتبعنا بعضهم بعضا ، من قفا يقفو ، ثم ذكر أنه قفى بعيسى ابن مريم ، لأن عيسى عليه السلام من أولاد إسحاق عليهم السلام فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم من بعده ، وهو من ولد إسماعيل عليه السلام .
وقال بعض أهل التأويل : { وقفينا } أي أتبعنا ، ويقال : قفيت فلانا ، أي عينته ، وسميته ، وقفوته أقفوه قفوا { وقفينا } واقتفيت به ، أي لزمته .
وقوله تعالى : { وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة } وصف الله تعالى الذين اتبعوا الرسل ، وآمنوا بهم بالرحمة والرأفة في ما بينهم ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } [ آل عمران : 103 ]
وقال [ في آية أخرى : ]{[20705]} { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } { مريم : 96 } وقال في آية أخرى : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } { الفتح : 29 } وقال في آية أخرى : }{[20706]}[ المائدة : 54 ] ونحو ذلك ؛ وذلك لأن السبب الذي جمعهم واحد ، وهو التوحيد والإسلام .
فإن قيل : كيف وقع بينهم من العداوة والبغضاء ما وقع ، وسبب الجمع قائم ، حتى استحل بعضهم قتال بعض من نحو الخوارج والمعتزلة ؟
قيل : إنما وقع ذلك في ما بينهم ، وإن كان سبب الجمع قائما ، لما كانت الألفة والرأفة بلطف من الله تعالى ، وقد زال ذلك اللطف ، وارتفع ، وحدث بينهم ما حدث .
أو نقول : إن الخوارج قد أحدثوا من أنفسهم أشياء حتى سموا المسلمين كفرة بما ارتكبوا من الكبائر حتى نصبوا القتال والحرب معهم ، وكذلك المعتزلة سموا أصحاب الكبائر فسقة وفجرة ، وأنزلوهم بين الكفر والإيمان . ومن سمي آخر كافرا أو فاسقا فلا شك أن يحدث بينهما عداوة وتباغض . فما حدث بيننا وبينهم من العداوة بتسميتهم إيانا فسقة وفجرة وكفرة بارتكاب الكبائر ، وإن كان السبب الذي جمعهم قائما عندنا ، والله الموفق .
وقوله تعالى : { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها } الآية ؛ ذكر في القصة أن الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد عليهم السلام ، كان على بني إسرائيل ملوك غيروا التوراة والإنجيل ، وبقي منهم أناس مؤمنون بعيسى عليه السلام ويعملون بما في الكتب ، فهم أولئك الملوك أن يقتلوهم لإبائهم والعود إلى مذهبهم ، فخرجوا من بغيهم ، فترهبوا رجاء أن يتخلصوا منهم .
فذلك قوله : { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها } أي [ ما ]{[20707]} فرضنا عليهم تلك الرهبانية ، ولم نأمرهم بها ، ولكن فرض عليهم وكتب في الجملة ابتغاء رضوان الله تعالى ، فابتدعوا تلك الرهبانية رجاء أن يكون فيها رضوان الله تعالى ، والله أعلم .
قال : { فما رعوها حق رعايتها } أخبر أنهم ابتدعوا شيئا لم يكتب عليهم ، ثم ذكر أنهم لم يرعوه{[20708]} حق رعايته ؛ ذمهم لتركهم الرعاية لما ابتدعوه ؛ ففيه دلالة أن من افتتح قربة ، لم تفرض عليه من صلة أو صوم أو نحو [ ذلك ]{[20709]} ثم لم يقم [ بوفائها وإتمامها ]{[20710]} لحقه ذم كما لحق هؤلاء .
وقوله تعالى : { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون } أخبر أن الذين آمنوا ، وثبتوا على الإيمان ، يؤتيهم أجرهم ، أي يوجب لهم { أجرهم وكثير منهم فاسقون } أي كافرون . كذلك ذكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وكثير منهم كافرون .
وذكر أن بعضا منهم بعدما ترهبوا اشتد عليهم الترهب ، فعادوا ، ورجعوا ، ودخلوا في دين أولئك الملوك ، والله أعلم .
قال القتبي : { ورهبانية } أي العبادة ، يعني الخوف ، و{ ابتدعوها } الابتداع أن تفعل شيئا ، لم يفعل قبلك ، يقال منه : أبدعت ، وابتدعت أيضا . و قيل : الرهبانية اسم مبني من الرهبة لما [ فضل عن المقدار ، وأفرط ]{[20711]} فيه ، وهو ما نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى : { لا تغلوا في دينكم } [ النساء : 171 والمائدة : 77 ] ويقال : دين الله بين المقصر والغالي ، وقوله تعالى : { ما كتبناها عليهم } أي ما أمرناهم بها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.