التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

{ إذ أوى الفتية إلى الكهف } نذكر من قصتهم على وجه الاختصار ما لا غنى عنه ، إذ قد أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما نقلوا ، وذلك أنهم كانوا قوما مؤمنين ، وكان ملك بلادهم كافر يقتل كل مؤمن ، ففروا بدينهم ، ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه ويستخفوا من الملك وقومه ، فأمر الملك بأتباعهم ، فانتهى المتبعون لهم إلى الغار فوجدوهم وعرفوا الملك بذلك فوقف عليه في جنده وأمر بالدخول إليهم ، فهاب الرجال ذلك وقالوا له : دعهم يموتوا جوعا وعطشا ، وكان الله قد ألقى عليهم قبل ذلك نوما ثقيلا ، فبقوا على ذلك مدة طويلة ثم أيقظهم الله ، وظنوا أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما بدراهم كانت لهم فعجب لها البائع وقال : هذه الدراهم من عهد فلان الملك في قديم الزمان من أين جاءتك ، وشاع الكلام بذلك في الناس ، وقال الرجل : إنما خرجت أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهف ، فقال : هؤلاء الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم فمشوا إليهم فوجدوهم موتى ، وأما موضع كهفهم ، فقيل إنه بمقربة من فلسطين وقال : قوم إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة من جهة غرناطة ، وفيه موتى ومعهم كلب ، وقد ذكر ابن عطية ذلك ، وقال : إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد ، وقريب منهم بناء يقال له الرقيم قد بقي بعض جدرانه ، وروي أن الملك الذي كانوا في زمانه اسمه دقيوس ، وفي تلك الجهة آثار مدينة يقال لها : مدينة دقيوس ، والله أعلم ، ومما يبعد ذلك ما روي أن معاوية مر عليهم وأراد الدخول إليهم ، ولم يدخل معاوية الأندلس قط ، وأيضا فإن الموتى التي في غار لوشة يراهم الناس ، ولم يدرك أحد منهم الرعب ، الذي ذكر الله في أصحاب الكهف .