فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

و{ إِذْ أَوَى الفتية } ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر ، وهو أذكر ، أي : صاروا إليه وجعلوه مأواهم ، والفتية : هم أصحاب الكهف ، والكهف : هو الغار الواسع في الجبل ، فإن كان صغيراً سمي غاراً ، والرقيم قال كعب والسدّي : إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف . قال الفراء : ويروى أنه إنما سمي رقيماً لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه . والرقم : الكتابة . وروي مثل ذلك عن ابن عباس . ومنه قول العجاج في أرجوزة له :

ومستقري المصحف الرقيم *** . . .

وقيل : إن الرقيم : اسم كلبهم ، وقيل : هو اسم الوادي الذي كانوا فيه ، وقيل : اسم الجبل الذي فيه الغار . قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله ، لأن خلق السماوات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف { فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً } أي : من عندك ، و«من » ابتدائية متعلقة ب{ آياتنا } ، أو لمحذوف وقع حالاً ، والتنوين في { رحمة } : إما للتعظيم أو للتنويع ، وتقديم { من لدنك } للاختصاص أي : رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك ، وهي : المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء ، والرزق في الدنيا { وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } أي : أصلح لنا ، من قولك هيأت الأمر فتهيأ ، والمراد بأمرهم : الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار ، والرشد : نقيض الضلال ، و«من » للابتداء . ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك : رأيت منك رشداً . وتقدم المجرورين للاهتمام بهما .

/خ16