الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

قوله : { إذ أوى الفتية إلى الكهف } إلى قوله : { رشدا } [ 10 ] .

أي : كانوا من آياتنا عجبا ، حين أوى الفتية إلى الكهف هربا{[42262]} بدينهم{[42263]} إلى الله [ عز وجل{[42264]} ] فقالوا : إذ أووه .

{ فقالوا ربنا آتينا من لدنك رحمة } [ 10 ] .

أي : ارحمنا ونجنا من هؤلاء الكفار .

{ وهيئ لنا من أمرنا رشدا } [ 10 ] .

أي : دلنا على ما ننجو به{[42265]} .

وكان هؤلاء الفتية على دين عيسى صلى الله عليه وسلم . فدعاهم ملكهم إلى عبادة الأوثان والأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عنه أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف{[42266]} .

وروي أنهم{[42267]} لما أمرهم الملك بعبادة صنمه قالوا { ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا } [ 14 ] فاعتزلوا عن قومهم لعبادة الله [ سبحانه ]{[42268]} . فقال : أحدهم : إنه كان لأبي كهف يأوي{[42269]} فيه غنمه . فانطلقوا بنا نكن فيه . فدخلوا فيه ، ثم فقدوا في ذلك الزمان ، فطلبوا ، فقيل : إنهم دخلوا هذا الكهف . فقال : قومهم : لا نريد لهم عقوبة ، ولا عذابا أشد من أن يردم عليهم هذا الكهف فبنوه عليهم فردموه ، ثم أقاموا{[42270]} ما شاء الله ، يدبرهم{[42271]} الله [ عز وجل{[42272]} ] بلطفه وهم نيام ، ثم بعث الله [ عز وجل{[42273]} ] ملكا على دين عيسى صلى الله عليه وسلم . ووقع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم . وقاموا من نومتهم تلك . فقال : بعضهم لبعض كم لبثتم ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم . فأرسلوا أحدهم ليأتيهم بطعام وشراب مستخفيا أن{[42274]} لا يعرف . فلما خرج من باب الكهف رأى ما أنكره ، فأراد أن يرجع ، ثم مضى حتى دخل المدينة فأنكر ما رأى ، ثم أخرج درهما فنظروا إليه . فأنكروه وأنكروا الدرهم{[42275]} . فقالوا{[42276]} من أين لك هذا ؟ [ هذا{[42277]} ] من ورق غير هذا الزمان . واجتمعوا عليه ، ولم يفارقوه حتى حملوه إلى ملكهم . وكان لقومهم لوح يكتبون فيه ما يكون . فنظروا في ذلك اللوح . وسأله{[42278]} الملك ، فأخبره بأمره ، ونظروا في الكتاب متى فقدوا ، فاستبشروا به وبأصحابه وقيل له : انطلق بنا فأرنا أصحابك فانطلق ، وانطلقوا معه ، ليريهم أصحابه فدخل قبل/القوم فضرب على آذانهم . { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا } [ 21 ]{[42279]} .

قال : ابن عباس : كانوا ثمانية{[42280]} . وروى : أنه{[42281]} لما بني عليهم{[42282]} باب الكهف كتب رجلان مؤمنان – ممن يسر الإيمان – خبرهم ، ووقت البناء عليهم ، وأسماءهم{[42283]} ، وأنسابهم ، وأسماء آبائهم في لوحين من رصاص ثم صنعا تابوتا من نحاس ، وجعلا{[42284]} اللوحين فيه . ثم كتبا عليه ، في فم الكهف ، من بين ظهراني البنيان ، وختما على التابوت بخاتمهما وقالا : لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل [ يوم{[42285]} ] القيامة ، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم{[42286]} .

قال : مجاهد : فلبثوا في الكهف ثلاثة مائة سنين وازدادوا تسعا نياما{[42287]} .

وقيل : إنهم كانوا شبانا{[42288]} ملوكا مطوقين ، مسورين{[42289]} ذوي ذوائب{[42290]} وكان معهم كلب صيدهم . فخرجوا في عيد [ لهم ]{[42291]} عظيم في زي{[42292]} ومواكب . وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدون . وقذف الله [ في ]{[42293]} قلوب الفتية الإيمان فآمنوا ، وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن صاحبه ، فقال : كل واحد في نفسه نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم ، لا{[42294]} يصيبنا عقاب بجرمهم . فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة ، ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده فرجا أن يكون على مثل أمره ، فجلس إليه ، وخرج الآخرون فجاءوا وجلسوا إليهما . فاجتمعوا ، فقال : بعضهم : ما جمعكم ؟ فقال : آخر : بل ما جمعكم ؟ وكل يكتم إيمانه عن صاحبه مخافة{[42295]} على نفسه وقالوا{[42296]} : ليخرج منكم فتيان ، فيخلوان ، فيتوثقا ألا يفشي واحد منهما على صاحبه . ثم يفشي كل واحد منهما{[42297]} لصاحبه أمره . فإنا نرجو أن نكون{[42298]} على أمر واحد . ففعلوا ذلك ، فعلموا أن جميعهم على أمر واحد وهو الإيمان . وإذا كهف في الجبل [ قريب{[42299]} ] منهم ، فقال : بعضهم لبعض : آووا إلى هذا الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا . فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم . فناموا . فجعل{[42300]} الله جل وعز{[42301]} رقدة واحدة ثلاث مائة سنة وتسع سنين . وطلبهم قومهم ففقدوهم . وبعثوا البرد في طلبهم . فعمى الله [ عز وجل ]{[42302]} عليهم آثارهم . فلما لم يقدروا عليهم ، كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان بن فلان ، وفلان بن فلان : ملوك فقدناهم في عيد{[42303]} كذا ، من شهر كذا ، من سنة كذا ، في مملكة{[42304]} فلان ، ورفعوا اللوح في الخزانة ، ثم مات ذلك الملك . وأتى قرن بعد قرن فأظهرهم الله [ عز وجل{[42305]} ] وأنبههم ، فوجهوا رسولهم ليأتيهم بما يأكلون ولا علم عندهم بما مضى من الزمان فأطلع عليهم{[42306]} .

وقال : وهب بن منبه{[42307]} : جاء حواري عيسى بن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف ، فأراد أن يدخلها ، فقيل له : إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له{[42308]} .

فكره أن يدخلها/فأتى حماما ، فكان فيه قريبا من تلك المدينة . فكان يعمل فيه ، يؤاجر نفسه من صاحب الحمام . فرأى صاحب الحمام في حمامه البركة ، ودر{[42309]} عليه الرزق وجعل يعرض عليه [ الإسلام ]{[42310]} ويسترسل إليه . وعلقه فتية من أهل المدينة . وجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى أنسوا به ، وصدقوه . وكانوا على مثل حاله في أحسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي ، فلا تحولن بيني وبين الصلاة إذا حضرت . وكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام . فعيره الحواري فقال : أنت ابن الملك تدخل{[42311]} معك بهذه الكذا{[42312]} ، فاستحيى فذهب ، ورجع مرة أخرى ، فقال : له مثل ذلك ، فسبه وانتهره{[42313]} ، ولم يلبث حتى دخل ودخلت المرأة معه فماتا في الحمام جميعا ، فأتى الملك فقيل له : إن صاحب الحمام قتل ابنك . فالتمس فلم يقدر عليه هربا . فقال : من كان يصحبه ؟ فسموا الفتية ، فالتمسوا ، فخرجوا من المدينة ، فمروا بصاحب لهم في زرع له ، وهو على مثل أمرهم ، فذكروا أنهم التمسوا ، فانطلق معه{[42314]} الكلب ، حتى أواهم الليل إلى الكهف فدخلوه{[42315]} . فقالوا نبيت{[42316]} هنا{[42317]} الليلة ثم نصبح{[42318]} إن شاء الله فترون رأيكم . فضرب على آذانهم . فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا{[42319]} في الكهف ، فلما{[42320]} أراد رجل أن يدخل أرعب{[42321]} ، فلم يطق أحد أن يدخله ، فقال : قائل : ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال : بلى . قال : ابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتون عطشا وجوعا ، ففعل{[42322]} .


[42262]:ط: "هربوا".
[42263]:ق: "لدينهم".
[42264]:ساقط من ق.
[42265]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/200.
[42266]:انظر هذا القول: في الجامع 10/232.
[42267]:ق: "أنه".
[42268]:ساقط من ق.
[42269]:ق: "تأوي".
[42270]:ط: "فأقاموا".
[42271]:ق: "يريدهم".
[42272]:ساقط من ق.
[42273]:ساقط من ق.
[42274]:ط: "وأن".
[42275]:ط: "الدراهم".
[42276]:ط: "وقالوا".
[42277]:ساقط من من ق.
[42278]:ق: "سالوه".
[42279]:الخبر بطوله في جامع البيان 15/200 عن عمرو.
[42280]:انظر قوله: في جامع البيان 15/201.
[42281]:ط: أنهم.
[42282]:ط: "عليهم مسجدا قال ابن عباس باب" وهو تكرار بسبب انتقال النظر.
[42283]:ق: "أسماؤهم".
[42284]:ق: "جعل".
[42285]:ساقط من ق.
[42286]:وهو قول: ابن عباس، انظره في جامع البيان 15/203.
[42287]:انظر قوله: في جامع البيان 15/204.
[42288]:ط: "شبابا".
[42289]:ق: "مسودين". وفي اللسان: "السورة: الرفعة" (سور).
[42290]:جاء في اللسان: "وذؤابة العز والشرف: ارفعه، على المثل، والجمع من ذلك كله ذوائب (ذأب).
[42291]:ساقط من ق.
[42292]:ق: "دي".
[42293]:ساقط من من ق.
[42294]:ق: "لن".
[42295]:ق: "مخافته".
[42296]:ق: "وقال وقال".
[42297]:ق: منكما.
[42298]:ط: "يكون".
[42299]:ساقط من ق.
[42300]:ط: "فجعلوا".
[42301]:ط: "عز وجل".
[42302]:ساقط من من ق.
[42303]:في النسختين "عهد" وسيأتي في "مملكة فلان" مما يرجح أن المراد هنا "عيد كذا" "ثم لم يقل" "عيد فلان".
[42304]:ق: "مملكته".
[42305]:ساقط من ق.
[42306]:هذا الخبر بطوله روي عن عبيد بن عمير، انظر في جامع البيان 15/204.
[42307]:ق: "مملكته".
[42308]:ق: "لها".
[42309]:ق: رد.
[42310]:ساقط من ق.
[42311]:ق: "يدخل".
[42312]:ط: "النكداء".
[42313]:ق: "انتهوه".
[42314]:ق: "معهم".
[42315]:ق: "فدخلوا".
[42316]:ق: "نبيتوا".
[42317]:ق: "هذا".
[42318]:ق: "نصبحوا".
[42319]:ط: "فدخلوا".
[42320]:ط: "فكلما".
[42321]:في النسختين أرغب.
[42322]:انظر: هذا الخبر عن وهب بن منبه في جامع البيان 15/205 والدر 5/369.