فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

{ إذ آوى الفتية إلى الكهف } أي صاروا إليه ونزلوه وسكنوه والتجئوا إليه وجعلوه مأواهم . يقال آوى إلى منزله من باب ضرب{[1100]} إذا نزله بنفسه وسكنه والمأوى لكل حيوان مسكنه . والفتية هم أصحاب الكهف جمع فتى هو الطرىء من الشباب ، إظهار في مقام الإضمار للتنصيص على وصفهم وسنهم فكانوا في سن الشباب مردا وكانوا سبعة خرجوا من مدينتهم خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار حيث أمروهم بعبادة غير الله وكذلك ملك المدينة أمرهم بما ذكر ، واسمه دقيانوس ومدينتهم اسمها أفسوس عند أهل الروم لأنها من مدائنهم واسمها عند العرب طرسوس .

فلما أمروهم بعبادة غير الله ذهب كل واحد منهم إلى بيت أبيه وأخذ منه زادا ونفقة وخرجوا فارين هاربين حتى أوو إلى كهف في جبل قريب من المدينة فاختفوا فيه وصاروا يعبدون الله ويأكلون ويشربون ويبعثون أحدهم خفية ليشتري لهم الطعام خفية من المدينة وهم خائفون من اطلاع أهل المدينة عليهم فيقتلوهم لعدم دخولهم في دينهم ، فجلسوا يوما بعد الغروب يتحدثون فألقى الله عليهم النوم وذلك قوله تعالى { فضربنا على آذانهم } الخ كما سيأتي تفصيله .

{ فقالوا ربنا آتنا من لدنك } أي من عندك { رحمة } التنوين إما للتعظيم أو التنويع وتقديم من لدنك للاختصاص أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وهي المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء والرزق في الدنيا { وهيئ لنا من أمرنا رشدا } أي أصلح لنا من قولك هيأت الأمر فتهيأ والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار ، والرشد نقيض الضلال ، ومن للابتداء ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك رأيت منك أسدا وتقديم المجرورين للاهتمام بهما أي اجعل أمرنا رشدا أو يسر لنا طريق رضاك .


[1100]:1) أي مفتوح العين في الماضي مكسورها في المضارع فيقال أوى يأوي مثل ما يقال ضرب يضرب.