اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

قوله : { إِذْ أَوَى } : يجوز أن ينتصب ب " عَجَباً " وأن ينتصب ب " اذْكُرْ " ؛ لأنه لا يجوز أن يكون " إذْ " ههنا متعلقاً بما قبله على تقدير " أمْ حَسِبْتَ " ؛ لأنَّه كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة طويلة ، فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف ، بل يتعلق بمحذوفٍ .

والتقدير : اذكر إذ أوى الفتيةُ إلى الكهف ، والمعنى صاروا إليه ، وجعلوهُ مأواهم ، فقالوا : { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي من خزائن رحمتك .

قوله : " وهَيِّئ " : العامة على همزة بعد الياء المشددة{[20830]} ، وأبو جعفر وشيبة والزهريُّ بياءين : الثانية خفيفة ، وكأنَّه أبدل الهمزة ياء ، وإن كان سكونها عارضاً ، ورُوِيَ عن عاصم " وهيِّ " بياءٍ مشددة فقط ، فيحتمل أن يكون حذف الهمزة من أول وهلةٍ تخفيفاً ، وأن يكون أبدلها ؛ كما فعل أبو جعفرٍ ، ثم أجرى الياء مجرى حرفِ العلَّة الأصليِّ ، فحذفه ، وإن كان الكثير خلافه ، ومنه :

جَرِيءٍ مَتَى يُظلمْ يُعَاقِبْ بظُلمهِ * * * سَرِيعاً وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ{[20831]}

معنى " هيِّئ لنا " أصلح من قولك " هيَّأت الأمرَ ، فتهيَّأ " .

وقرأ أبو رجاء{[20832]} " رُشداً " ها هنا بضم الراء وسكون الشين ، وتقدم تحقيق ذلك في الأعراف ، وقراءة العامة هنا أليق ؛ لتوافق الفواصل .

والتقدير : هيِّئ لنا أمراً ذا رشدٍ ؛ حتَّى نكون بسببه راشدين مهتدين .

وقيل : اجعل أمرنا رشداً كلَّهُ ؛ كقولك : رَأيتُ منه رشداً .


[20830]:ينظر: البحر 6/99، والنشر 1/390، والإتحاف 2/211، والدر المصون 4/436.
[20831]:تقدم.
[20832]:ينظر: البحر 6/99، والدر المصون 4/436.