وقوله سبحانه : { إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف } [ الكهف : 10 ] .
{ الفتية } فيما روي قوم من أبناء أشرافِ مدينةِ دِقْيُوس المَلِكِ الكافِرِ ، ويقال فيه «دقيانوس » ، وروي أنهم كانوا مُطَوَّقين مسَوَّرين بالذهب ، وهم من الروم ، واتبعوا دينَ عيسَى ، وقيل : كانوا قبل عيسَى ، واختلف الرواةُ في قصصهم ، ونذْكُر من الخلافِ عُيُونَه ، وما لا تستغني الآية عنه ، فروي عن مجاهدٍ عن ابن عباس ، أن هؤلاء الفتية كانوا في دينِ مَلِكٍ يعبد الأصنام ، فوقَع للفتيةِ عِلْمٌ من بعض الحواريِّين ، حَسْبما ذكره النَّقَّاش ، أو من مؤمني الأمم قبلهم ، فآمنوا باللَّه ، ورأَوا ببصائرهم قَبِيحَ فعْل الناس ، فرفع أمرهم إِلى المَلِك ، فاستحضَرَهُمْ ، وأمرهم بالرجُوعِ إِلى دينه ، فقالوا له فيما رُوِيَ : { رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض } [ الكهف : 14 ] الآية ، فقال لهم الملك : إِنَّكُمْ شُبَّانٌ أغْمَارٌ ، لا عَقْل لكم ، وأَنا لا أعْجَلُ عليكم ، وضَرَبَ لهم أجلاً ، ثم سافر خِلاَلَ الأجَلِ ، فتشاور الفتْيَةُ في الهروبِ بأديانهم ، فقال لهم أحَدُهم : إِني أعْرِفُ كهْفاً في جَبَلِ كذا ، فلنذهب إِليه ، وروت فرقةٌ أنَّ أمر أصحاب الكهْف إنما كان أنهم من أبناء الأشْرَافِ ، فحضر عيدٌ لأهْلِ المدينة ، فرأى الفتْيَةُ ما ينتحله الناسُ في ذلك العِيدِ من الكُفْرِ وعبَادة الأصنام ، فوقع الإِيمانُ في قلوبهم ، وأجمعوا على مفارقة دِينِ الكَفَرة ، وروي أنهم خَرَجُوا ، وهُمْ يلعبون بالصَّوْلَجَانِ والكَرة ، وهم يدحرجونها إِلى نحو طريقهم لئلاَّ يشعر الناس بهم حتى وصلوا إِلى الكهف ، وأما الكلب فرِوِيَ أنه كان كَلْبَ صيدٍ لبعضهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم رَاعياً له كلْبٌ ، فاتبعهم الراعي على رأيهم ، وذهب الكلْبُ معهم ، فدخلوا الغَارَ ، فروت فرقة أن اللَّه سبحانه ضَرَبَ على آذانهم عند ذلك ، لما أراد مِنْ سَتْرهم وخَفِيَ على أهْل المملكة مكانُهم ، وعَجِبَ الناسُ من غَرَابة فَقْدهم ، فأرَّخوا ذلك ورقَّموه في لوحَيْنِ من رصاصٍ أو نحاسٍ ، وجعلوه على باب المدينةِ ، وقيل على الرواية : إِن الملك بَنَى باب الغار ، وإِنهم دفنوا ذلك في بِنَاءِ الملِك على الغار ، وروت فرقة ، أن المَلِك لما علم بذَهَاب الفتية ، أَمَرَ بقَصِّ آثارهم إِلى باب الغار ، وأمر بالدخول عليهم ، فهَابَ الرجالُ ذلك ، فقال له بعضُ وزرائه : ( أَلَسْتَ أيها المَلِكُ إِن أخرجتَهم قتلَتهم ؟ قال : نعم ، قال : فأيُّ قِتْلة أبلغُ من الجُوع والعَطَش ، ابن عليهم باب الغارِ ، ودعْهم يموتوا فيه ، ففعل ، وقد ضَرَبَ اللَّه على آذانهم كما تقدَّم ، ثم أخبر اللَّه سبحانه عن الفتْيَة أنهم لما أَوَوْا إِلى الكَهْف ، أي : دخلوه وجعلوه مأوًى لهم وموضعَ اعتصام دَعَوُا اللَّه تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمةً ، وهي الرْزقُ فيما ذكره المفسِّرون ، وأن يهيِّىء لهم من أمرهم رَشَدَاً خلاصاً جميلاً ، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم ، وألفاظهم تقتضي ذلك ، وقد كانوا على ثقةٍ من رَشَدِ الآخرة ورحمتها ، وينبغي لكُلِّ مؤمن أنْ يجعَلَ دعاءه في أمر دنياه بهذه الآية الكريمة فقطْ فإنها كافية ، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمْر الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.