التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} (19)

{ لا يحل لكم أن ترثوا النساء } قال ابن عباس : " كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاءوا تزوجها أحدهم ، وإن شاءوا زوجوها من غيرهم ، وإن شاءوا منعوها التزوج " ، فنزلت الآية في ذلك ، فمعنى الآية على هذا : لا يحل لكم أن تجعلوا النساء يورثن عن الرجال ، كما يورث المال ، وقيل : الخطاب للأزواج الذين يمسكون المرأة في العصمة ليرثوا مالها من غير غبطة بها ، وقيل : الخطاب للأولياء الذين يمنعون ولياتهم من التزوج ليرثوهن دون الزوج .

{ ولا تعضلوهن } معطوف على { أن ترثوا } ، أو نهي والعضل المنع . قال ابن عباس : " هي أيضا في أولياء الزوج الذين يمنعون زوجته من التزوج بعد موته " ، إلا أن قوله :{ ما آتيتموهن } على هذا معناه ما آتاها الرجل الذي مات ، وقال ابن عباس : " هي في الأزواج الذين يمسكون المرأة ويسيئون عشرتها حتى تفتدي بصداقها " ، وهو ظاهر اللفظ في قوله :{ ما آتيتموهن } ، ويقويه قوله :{ وعاشروهن بالمعروف }[ النساء :19 ] ، فإن الأظهر فيه أن يكون في الأزواج ، وقد يكون في غيرهم ، وقيل : هي للأولياء .

{ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل : الفاحشة هنا الزنا ، وقيل : نشوز المرأة وبغضها في زوجها ، فإذا نشزت جاز له أن يأخذ ما آتاها من صداق أو غير ذلك من مالها وهذا جائز على مذهب مالك في الخلع ، إذا كان الضرر من المرأة ، والزنا أصعب على الزوج من النشوز ، فيجوز له أخذ الفدية .

{ فإن كرهتموهن } الآية : معناها إن كرهتم النساء لوجه فاصبروا عليه ، فعسى أن يجعل الله الخير في وجه آخر ، وقيل : الخير الكثير الولد ، والأحسن العموم ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يترك مؤمن مؤمنة ، إن سخط منها خلقا رضي آخر " .