تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } قال بعضهم : كان يجوز لهم أن يرثوا النساء طوعا لأنه إنما نهى أن يرثوهن كرها فكان فيه دليل جواز وراثتهن طوعا . وأما عندنا فإنه ليس فيه دليل جواز وراثتهن طوعا . وإن كان النهي فإنما{[5093]} كان في حال الكره ، لأن الأصل عندنا أن ليس في حظر الحكم في حال : دليل إباحته أخرى ، ولا في إباحته في حال دليل حظره في حال أخرى ، ولا في حله في حال : دليل حرمته في حال أخرى ، ولا في حرمته في حال دليل حله في حال أخرى . دليل ذلك قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } ( الإسراء 31 ) ليس على أن لهم أن يقتلوهم إذا لم يخشوا الإملاق وقوله{[5094]} تعالى : { إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن } ( الأحزاب 50 ) وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ( النساء 3 ) .

والقصة في الآية ما قيل : إن الرجل إذا ما ترك امرأة كان أولياؤه أحق بامرأته من تولي{[5095]} نفسها ، إن شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها فنزلت الآية في ذلك وقيل أيضا : كانوا في أول الإسلام إذا مات الرجل ( أقبل ) {[5096]} أقرب الناس منه فيلقي على امرأته ثوبا حدث نكاحها طوعا وكرها فنزلت الآية في ذلك والآية عندنا خرجت مخرج بيان التحريم على ما كانوا يفعلون دليل ذلك قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ( النساء 22 ) نهى الأبناء أن ينكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فدل أن النهي كان في الحالين جميعا في حال الكره والرضا والله أعلم .

وفي قوله : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية تحتمل حرمة وراثتهن أبدا وإن ذكره { كرها } لأوجه :

أحدهما : أن ليس في ذكر الحرمة في وجه أو ذكر الحرمة دلالة تخصيص الحال كقوله سبحانه وتعالى : { ولا تقاتلوا أولادكم خشية إملاق } ( الإسراء 31 ) وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ( النساء 3 ) . وقوله عز وجل : { إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن } ( الأحزاب 50 ) إنهن ( لا يحللن إن ){[5097]} لم يؤتين أجورهن وإذا لم يصر ذلك شرطا صار كأنه قال الله عز وجل : يحل لكم أن ترثوا النساء كرها والله أعلم .

والثاني : أن تكون الوراثة{[5098]} أبدا كرها ويجب الميراث سواء {[5099]} من فيه ، وله أولاد ، إذا كان هذا وجه الوراثة فذكره ذلك وغير ذكره سواء .

و الثالث : أنهم يتوارثون النكاح وهو أمر لا يحتمل ( الانقسام ولا عند الاستمتاع فكان ذلك على تراض منهم لواحد أو أن يكون في ما كانت الوراثة ترجع إلى واحد فيكون ذلك بحق النكاح لا الميراث فإذا حرم النكاح ){[5100]} في حق من يرث من الذكور وهم الآباء والأبناء فبطل الميراث لو كان يجوز أن يورث .

ثم دلت هذه الآية على قطع وراثة منافع الإبضاع ( وملك الإبضاع ) {[5101]}أدوم من ملك الإجارات فيجب أن يكون قطع الإجارات أولى .

ودليل آخر على بطلان الوراثة أن المرأة قد ترث الميراث فتكون وراثة بعض نفسها فبطل من حيث يراد إثباته .

وقوله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } اختلف فيه قال بعضهم هو معطوف على ما تقدم وهو ما ذكرنا من الوراثة نهى أن يعضلوهن ليذهبوا بما آتاهن { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل : لم يكن يومئذ عقوبة إذا أتت المرأة ب فاحشة سوى أخذ المهور منها وكانوا يمسكونها على الوراثة فإذا أتت بفاحشة{[5102]} أخذ ما أ تاها ثم يسرحها فإن قيل : إنما نهاها عن الوراثة لأن الولي إذا ورثها ورثت هي نفسها فيبطل بذلك فالنهي لذلك قيل : لو كان لذلك فالمرأة إن كانت ممن لا ترث عن الزوج مملوكة يجيء أن يحل ذلك إذ لا وراثة ثمة فإذا لم يخر دل أنها خرجت على بيان التحريم واله أعلم .

وقيل في قوله : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } على الابتداء ليست على الأول نهى الزوج أن يأخذ منها ما آتاها من المهر { إلا ان يأتين بفاحشة مبينة } .

ثم اختلف في قوله تعالى : { بفاحشة } قال بعضهم هو الزنى وهو ما ذكرنا وقال آخرون : الفاحشة ههنا هو النشور أي إذا نشزت فلا بأس أن يأخذ منها ما آتاها وقيل : هو ما ذكره عز وجل في آية أخرى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يق يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ( البقرة 229 ) نهى الأزواج أن يأخذوا منهن { شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } فحينئذ أباح أخذ { فيها افتدت به } فعلى ذلك قوله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن غلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وما ذكرنا من النشوز خوف ترك إقامة حدود الله ف عند ذلك أباح لهم أخذ ما آتاها والله أعلم .

وقوله تعالى : وعاشروهن وبالمعروف } اختلف فيه : قيل : هو كقوله : { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهم بمعروف } يحتمل بالفضل ويحتمل كما لو فعل بك مثل ذلك لم تنكره بل تعرفه وتقبله .

وقوله تعالى : { فإن كرهتموهن } بوجهين : قيل : كرهتم صحبتهن من قبحهن ودمامتهن او سوء خلقهن فصبرتم على ذلك { ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } قيل : يهب لكم منهن أولادا تقر بهم أعينكم أو يعطي لكم في الآخرة ثوابا جزيلا بصحبتك إياهن . وقيل في قوله عز وجل : { فإن كرهتموهن } أي كرهتم فراقهن يجعل{[5103]} الله تعالى في الفراق { خيرا كثيرا } كقوله تعالى : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } ( النساء130 ) .


[5093]:في الأصل إنما.
[5094]:في الأصل و م: وكقوله.
[5095]:في الأصل و م: ولي.
[5096]:من م ساقطة من الأصل
[5097]:في الأصل و م: يحللن وإن.
[5098]:أدرج بعدها في الأصل و م: يكون.
[5099]:في الأصل و م: ساء.
[5100]:من م ساقطة من الأصل.
[5101]:من م ساقطة من الأصل.
[5102]:أدرج بعدها في م: ليذهبوا بما آتوهن على.
[5103]:في الأصل و م: ويجعل.