بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} (19)

{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهاً } قال ابن عباس : كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام ، إذا مات الرجل وله امرأة وله ولد من غيرها ، أو له وارث غير الابن فألقى ثوبه عليها ورث نكاحها بالصداق الأول . ويقول : أنا ولي زوجك فورثتك . فإن كانت جميلة أمسكها ، وإن لم تكن جميلة طول عليها لتفتدي منه ، فنزلت هذه الآية . وقال في رواية الضحاك : كان الرجل عنده عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة ، فيكره فراق العجوز لمالها ، فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت ، فيرث مالها ، فنزلت هذه الآية ، وأمر الزوج بأن يطلقها إن كره صحبتها فلا يمسكها كرهاً . فذلك قوله تعالى : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهاً } قرأ عاصم وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ونافع : ( كَرهاً ) بنصب الكاف . وقرأ حمزة والكسائي : ( كُرها ) بالضم . قال القتبي : ( الكَره ) بالنصب بمعنى الإكراه ، ( والكُره ) بالرفع المشقة ، ويقال : ليفعل ذلك طوعاً أو كرهاً ، يعني طائعاً أو مكرهاً .

ثم قال تعالى : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } أي لا تمنعوهن من الأزواج { لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } من المهر وغيره { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } وهي المعصية في النشوز على زوجها ، فيحل له ما أخذ منها . ويقال : إلا أن تزني فيحل له أن يفتدي منها ، يعني إذا كانت بطيبة نفسها . قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر ( بفاحشة مبيَنة ) بنصب الياء ، وقرأ الباقون ( مبِّيِنة ) بكسر الياء . فمن قرأ بالكسر يعني الفعل الفاحشة يعني فاحشة ظاهرة تبين منها نفسها . ومن قرأ بالنصب يكون بمعنى المفعول . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في محصن بن أبي قيس ، وامرأته هند بنت المغيرة وفي جماعة . وقال الكلبي : نزلت في حصن بن أبي قيس وامرأته كبشة بنت معن .

ثم قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف } أي صاحبوهن بالجميل { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ } أي كرهتم صحبتهن { فَعَسَى } يقول فلعل { أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا } من صحبتكم إياهن { وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } يعني في صحبتهم يرزق لكم ولداً صالحاً ، وهذا كقوله عز وجل { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } ويقال { وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } لعله إن أمسكها فيعطفه الله عليها من بعد ذلك ، وأما أن يخلي سبيلها فيزوجها الله زوجاً غيره ، فيرزقها الله منه الولد .