اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} (19)

هذا مُتَّصِلٌ بما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في الزوجاتِ .

قال المُفَسِّرُونَ : نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهليَّة ، وفي أوَّلِ الإسْلامِ إذا مات الرَّجُلُ وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألْقَى ثوبه على تلك المرأة وقال : وَرِثْتُ امْرأتَهُ كما وَرِثْتُ ماله ، فصار أحقُّ بها من سَائِرِ النَّاسِ ومن نفسها فإن شَاءَ تَزَوَّجَهَا بغير صَدَاق ، إلاَّ الصّداق الأوّل الّذي أصْدَقَهَا الميت ، وإن شاء زَوَّجَهَا من إنسان آخر ، وأخذ صداقها ، ولم يعطها منه شيئاً ، وإن شاء عَضَلها ومنعها من الأزْوَاج يُضَارها لتفتدي منه بما أخذت من الميت أو تموت هي فيرثها ، وإنْ ذهبت المرَأةُ إلى أَهلها قبل أنْ يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بِنَفْسِهَا فكانوا على هذا{[7029]} حتى " مات أبو قيس الأسْلَتِ الأنْصَارِي وترك امرأته كُبيشة بنت معن الأنصاريّة فقام ابْنٌ له من غيرها يقال له محصن ، وقال مقاتل بْنُ حيَّان : اسمه قيس بْنُ أبِي قَيْسٍ ، وطرح ثَوْبَهُ عليها فَوَرِثَ نكاحها وتركلها فلم يقربها ، ولم ينفق عليها يضارها لتفتدي منه بما ورثت ، فأتَتْ كبيشةُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أبَا قَيْسٍ تُوُفِّي وَوَرِثَ نكاحي ابنه فلا هو ينفق عَلَيَّ وَلاَ يدخل بي ولا يخلي سبيلي فَقَالَ لها : اقْعُدِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَأتِي فِيكِ أمرُ اللَّهِ ، فأنْزَلَ هذِهِ الآيةَ{[7030]} .

وقيل : كان يكون عند الرَّجل عجوز ولها مال ونفسه تتشوق إلى الشّابّة فيكره فِراق العجوز لمالها ، فيمسكها ، ولا يقربها حتَّى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرثُ مالها فنزلت الآية تأمر الزَّوْجَ أن يطلِّقَهَا إن كره صحبتها ، ولا يرثها{[7031]} كرهاً فذلك قوله { لا يحل لك أن ترثوا النساء كرهاً } والمقصود إذهاب ما كانوا عليه في الجاهِلِيَّةِ وألاَّ يجعل النِّساء كالمال يورثن عن الرِّجال . قوله : أن ترثوا [ النساء ]{[7032]} في محلّ رفع على الفاعليَّة ب " يحل " أي : لا يحل لَكُمْ إرثُ النساء .

وقرئ{[7033]} : " لا تحل " بالتاء من فوق على تأويل " أن ترثوا " : بالوراثة ، وهي مؤنَّثة ، وهي كقراءة { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الأنعام : 23 ] بتأنيث " تكن " ونصب فتنتهم " بتأويل ثم لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم ، إلاَّ أنَّ في آية الأنْعَامِ مسوغاً ، وهو الإخبار عنه بمؤنث كما سيأتي ، و { النِّسَاءَ } مفعولٌ به ، إمَّا على حذف مضاف أي : أن تَرثُوا مال النِّسَاءِ إن كان الخِطَابُ للأزْوَاجِ ، لأنَّهُ روي أنَّ الرَّجُلَ منهم كان إذا لم يكن له غرض في المرأة أمسكها حَتّى تموتَ ؛ فيرثها ، أو تَفْتَدِيَ منه بمالها إنْ لم تَمُت ، وإمَّا من غير حذف على أن يكون بمعنى الشَّيءِ الموروث إنْ كان الخطاب للأولياء ، أو لأقرباء الميّت ، وقد تَقَدَّمَ المعنيانِ في سبب النُّزُولِ على ما تَقَدَّمَ ؛ فلا يحتاج إلى حَذْفِ أحد المفعولين إمّا الأوَّلُ أو الثَّانِي على جَعْلِ { أَن تَرِثُواْ } متعدّياً{[7034]} لاثنين كما فعل أبُو الْبَقَاءِ{[7035]} .

قال : { والنِّسَاءَ } فيه وجهان :

أحدهما : هُنَّ المفعول الأوَّل ، والنساء على هذا هُنَّ الموروثاتُ ، وكانت الجاهليّة ترث نساء{[7036]} آبائهم وَيَقُولُونَ : نحنُ أحقُّ بنكاحهنَّ .

والثاني : أنه المفعول الثّاني ، والتّقدير : أن ترثوا من النّساء المالَ . انتهى . قوله : " هن المفعول الأول " يعني : والثاني محذوف تقديره : { أن ترثوا من آبائكم النساء } .

و " كرهاً " مصدر في موضع نَصْبٍ على الحال من النّساء أي : أن ترثوهن كَارِهات ، أو مكروهات ، وقرأ الأخوان{[7037]} " كرهاً " هنا وفي " براءة " و " الأحقاف " بضمِّ الكَافِ ، وافقهما عاصم{[7038]} وابن عامر في رواية ابن{[7039]} ذكوان عنه على ما يأتي في الأحقاف ، والباقون بالفتح .

وقد تَقَدَّمَ في الكُره والكَره بمعنى واحد أم لا ؟ في أوَّلِ البَقَرَةِ . ولا مفهوم لقوله { كَرْهاً } يعني فيجوز أن يرثوهن{[7040]} إذا لم يَكْرَهْن ذلك لخروجه مَخْرج الغالب .

قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } فيه وجهان :

أظهرهُمَا : أنَّهُ مجزوم ب " لا " الناهية{[7041]} عطف جملة نهي على جملة خبريَّة فإنْ لم تشترط المناسبةُ بين الجُمَلِ كما هو مذهب سِيبَويْه - فواضحٌ ، وَإن اشترطنا ذلك - كما هو رأي بعضهم - فلأن الجُمْلَةَ قبلها في معنى النهي إذ التَّقْديرُ : " ولا ترثوا النساء كرهاً " فإنَّهُ غيرُ حلال لكم . وجعله أبُو البقاءِ{[7042]} على هذا الوجه مستأنفاً يعني أنَّهُ ليس بمعطوفٍ على الفعلِ قبله .

والثَّانِي : أجازه ابن عطية{[7043]} وَأبُو البَقَاءِ{[7044]} أن يكون منصوباً عطفاً على الفِعْلِ قبله{[7045]} .

وقال ابنُ عَطِيَّةَ{[7046]} : ويُحتمل أن يكونَ { تَعْضُلُوهُنَّ } نصباً عطفٌ على { تَرِثُواْ } فتكون الواو مشتركةً عاطفةً فِعْلاً على فعلٍ .

وقرأ ابْنُ{[7047]} مَسْعُودٍ : " ولا أن تعضلوهن " فهذه القراءة تقوِّي احتمال النّصب ، وأن العَضْلَ مِمَّا لا يَحِلُّ بالنص .

وردَّ أبو حيَّان{[7048]} هذا الوجه بأنَّكَ إذا عطفت فعلاً منفياً ب " لا " على مثبت وكانا منصوبين فَإنَّ النَّاصبَ لا يُقَدَّر إلاَّ بعد حرف العطف لا بعد " لا " ، فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار ، قال التقدير : " أريد أن أتوبَ و [ أنْ ]{[7049]} لا أدخل النار " ؛ لأن الفعل يطلب للأول على سبيل الثبوتِ{[7050]} ، والثاني على سبيل النفي والمعنى : أريدُ التوبةَ انتفاء دخولي النار ، فلو كان المتسلط على المتعاطفين منفياً فكذلك ، ولو قدَّرْتَ هذا التقدير في الآية لم يصح{[7051]} لو قلت : " لا يحل أن لا تعضلوهن " ، لم يصح ، إلاَّ أن تجعل " لا " زائدة لا نافيةً ، وهو خلاف الظاهر ، وأما أن تقدِّر " أنْ " بعد " لا " النافية فلا يَصِحُّ ، وإذا قَدَّرتَ " أن " بعد " لاَ " كان من عطف المصدر المقدّر على المصدر المقدر ، لا من باب عطف الفعل على الفعل ، فالتبس على ابْنِ عَطِيَّة{[7052]} العطفان ، وظَنَّ أنَّهُ بصلاحية تقدير " أن " بعد " لا " يكونُ مِنْ عَطْفِ الفعل على الفعل وفَرْقٌ بين قولِك " لا أريد أن تقوم ألا تخرج " وقولك : أرِيدُ أنْ تَقُوم ولا أنْ تَخْرُجَ ، ففي الأول نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه ، وإرادة انتفاء خروجه ، فقد أرادَ خروجه ، وفي الثَّانية نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه ووجودَ خروجه ، فلا يريد لا القيام ، ولا الخروج .

وهذا في فهمه{[7053]} بعضُ غموضٍ على مَنْ تَمَرَّنَ في علم العربيَّةِ ؛ انتهى ما ردّ بِهِ .

قال شهابُ الدِّينِ : وفيه نظر من حيث إنَّ المثال الّذي ذكره في قوله : " أريد أن أتوب ولا أدخل النار " فَإنَّ تقديرَ النَّاصب فيه قبل " لا " واجب من حيثُ إنَّهُ لو قُدِّرَ بعدها لفسد التركيب ، وأما في الآية فتقدير " أن " بعد " لا " صحيح ، فَإنَّ التقدير يصير : لا يَحِلُّ لكم إرث النساء كَرْهاً ولا عَضْلُهن ، ويَؤيِّدُ ما قلته ، وَمَا ذَهَبَ إليه ابن عطيَّةَ قولُ الزمخشريِّ فإنَّهُ قال : فإن قلت : تَعْضُُلُوهُنَّ ما وجه إعرابه ؟ قلت : النَّصبُ عطفاً على { أَن تَرِثُواْ } و " لا " لتأكيد النّفي أي : " لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن " فَقَدْ صَرَّحَ الزمخشري بهذا{[7054]} المعنى وصَرَّحَ{[7055]} بزيادة " لا " التي جَعَلَها الشيخ خلاف الظاهر ، وفي الكلام حذف تقديره : " ولا تعضلوهن من النكاح " إن كان الخطاب للأولياء : أو : لا تعضلوهن من الطلاق ، إن كان الخطاب للأزواج .

وهو قول أكثر المفسرين .

وقيل : [ هو ]{[7056]} خطابُ الوارث الزَّوج بحبس الزّوجة حتى تَرُدَّ الميراث .

قال ابنُ عَطِيَّة{[7057]} : هذا في الرَّجُلِ تكون له المَرْأةُ وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر فنهاه اللَّهُ عن ذلك .

وقيل : الخِطَابُ عامٌّ في الكُلِّ .

قوله : { لِتَذْهَبُواْ } اللام متعلّقةُ ب { تَعْضُلُوهُنَّ } والباء في " ببعض " فيها وجهان :

أحدهُمَا : أنَّها باء التّعدية{[7058]} المرادفةُ لهمزتها أي : لتِذْهِبُوا بما آتيتموهن .

والثاني : أنها للمصاحبةِ ، فيكون الجارُّ في محلِّ نصبٍ على الحال ، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : لتذهبوا مصحوبين ببعض ، و " ما " موصولة بمعنى الذي ، أوْ نكرة موصوفة ، وعلى التقديرين فالعائدُ محذوف ، وفي تقديره إشْكَالٌ تَقَدَّمَ الكلام عليه في البقرة عند قوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] .

قوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ } في هذا الاستثناء قولان :

أحدُهُمَا : أنه منقطعٌ فيكونُ { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ } في محلِّ نصب .

والثَّاني : أنَّه مُتَّصِلٌ وفيه حينئذٍ ثلاثة أوجه :

أحدها : أنَّه مستثنى من ظرف زمان عام تقديره : " ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلا وقت إتيانهن بفاحشة " .

والثَّاني : أنَّهُ مستثنى من الأحوال العامَّة ، تقديره : ولا تعضلوهن في وقتٍ{[7059]} من الأوقات{[7060]} إلاَّ في حال إتيانهن بفاحشة ، والمعنى لا يحل له أن يحبسها ضراراً حتى تفتدي منه إلاّ إذا زَنَتْ ، والقائلون بهذا منهم من قال بقي{[7061]} هذا الحكم ولم ينسخ ومنهم من قال : نسخ بآية الجلد{[7062]} .

الثالث : أنه مستثنى من العلة العامة تقديره : لا تعضلوهن لعلةٍ من العلل إلا لإتيانهن بفاحشة .

وقال أبو البقاء{[7063]} بعد أن حكى فيه وجه الانقطاع : " والثاني : هو في موضع الحال تقديره : إلاَّ في حال [ إتيانهن بفاحشةٍ ، وقيل : هو استثناء متصل ، تقديره : ولا تَعْضُلوهن في حال إلا في حال ]{[7064]} إتيان الفاحشة " انتهى .

وهذان الوجهان هما في الحقيقة وجهٌ واحد ، لأنَّ القائلَ بكونه منصوباً على الحال لا بُدَّ أن يقدِّر شيئاً عاماً يجعل هذا الحالَ مستثناةً منه .

وقرأ{[7065]} ابنُ كثير وأبو بكر عن عاصم : " مبيَّنة " اسم لمفعول بفتح الياء في جميع القرآن ، أي بَيَّنَها في قوله : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي } [ إبراهيم : 36 ] والباقون بكسر الياء من اسم الفاعل وفيه وجهان :

أحدهما : أنَّهُ من بيَّن المتعدي ، فعلى هذا [ يكون ]{[7066]} المفعول مَحْذُوفاً تقديره [ مبينة حال مرتكبها .

والثاني : أنها من بَيَّن اللازم ، فإن بَيَّن يكون متعدياً ولازماً يقال : ]{[7067]} بانَ الشَّيْء وأبان واستبان ، وبين وتبين ، بمعنى واحد أي : أظهر ، وإذا ظهرت صارت أسباباً للبيان ، وإذا صَارَتْ سبباً للبيان جاز إسناد البيان إليها ، كما أنَّ الأصنام لما كانت سبباً للضلال حَسُنَ إسناد الإضلال إليها لأنَّ الفاحشة لا فعل لها في الحَقِيقَةِ . وأيضاً الفاحشة تتبين فإن يشهد عليها أربعة صارت مبينة .

وقرأ بعضهم{[7068]} " مُبِينَة " بكسر الياء وسكون الياءِ اسم فاعل من " أبان " وهذان{[7069]} الوجهان [ هما ]{[7070]} المتقدّمان في المشددة المكسورة ، لأن " أبان " أيضاً يكون متعدياً ولازماً وأما " مبينات " جمعاً فقرأهن الأخوان وابن{[7071]} عامر وحفص{[7072]} عن عاصم بكسر الياء اسم فاعل ، والباقون بفتحها اسم مفعول ، وتَقَدَّمَ وجه ذلك .

فصل

قال ابنُ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةُ : الفاحشة هي النُّشوز ، وإيذاء الزَّوج{[7073]} ، والمعنى إذا كان سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخُلعِ ويُؤَيِّدُهُ قولُ أبيِّ بن كعب ، إلاَّ أن يفحشن عليكم{[7074]} .

وقال الحَسَنُ ، وأبو قلاَبَةَ والسُّدِّيُّ : هي{[7075]} الزنى والمعنى : إذَا نَشَزَتِ الَمْرأةُ ، أوْ زَنَتْ حَلَّ للزَّوْج أنْ يسألها الخُلْعَ .

وقال عطاء : كان الرَّجُلُ إذا أصابت امرأته فَاحِشَةً أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ اللَّهُ ذلك{[7076]} .

قوله : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .

قال الزَّجَّاجُ{[7077]} : وهو النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول .

وقيل : أن يتصنّع لها كما تَتَصَنع له .

[ قوله : ]{[7078]} { بِالْمَعْرُوفِ } لها{[7079]} وجهان :

أظهرهما : أنَّهَا باءُ الحالِ ، أي : من الفاعل مُصَاحبين لهن بالمعروف ، أو من المفعول أي مصحوبات بالمعروف .

والثَّاني : أنها باء التعدية .

قال أبُو البَقَاءِ{[7080]} : بالمعروف مفعول ، أو حال .

فصل

قال الْقُرْطُبِيُّ{[7081]} : استدل علماؤنا بقوله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أنّ المرأة{[7082]} إذَا لم يكفيها خادم واحد أنَّ عليه أن يكفيها قدر كفايتها كابنة الخليفة والملك وشبههما ممن لا يكفيها خادم واحد ، وأنَّ ذلك هو المعاشرةُ بالمَعْرُوفِ .

وقال الشَّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ : لا يلزمه إلا خادم واحد ، وذلك يكفيها خدمة نفسها وليس في العالم امرأة إلا ويكفيها خادم واحد ، وهذا كالمقاتل تكون له أفراس فلا يُسْهمُ لَهُ إلاَّ بفرس واحد ؛ لأنه لا يقاتل إلا على فرس واحد ، قال علماؤنا : وهنا التشبيه غلط ؛ لأن مثل بنات الملوك اللائي لهن خدمة كثيرة لا يكفيها خادم واحد ، لأن إصلاح شأنها ومطبخها ، وغسيل ثيابها لا يكفيها خادم واحد يقوم بذلك .

قوله : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ [ فَعَسَى } ] {[7083]} أي إن كرهتم عشرتهن بالمعروف وآثرتم فراقهن .

قوله : { فَعَسَى } الفاء جواب الشرط ، وإنَّمَا اقترنت بها عسى ؛ لأنها جامدة .

قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[7084]} : فإن قلت من أي وجه صح أن يكون فعسى جزاء للشرط ؟

قلت : من حيث المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة ، فلعلَّ لكم فيما تكرهون خيراً كثيراً ليس فيما تحبون .

ولهذا قال قَتَادَةُ : فإنه فسر الخير الكثير بودٍّ يحصل فتنقلب الكراهة محبة ، والنفرة رغبة .

وقيل : ولد صالح{[7085]} .

وقرئ{[7086]} وَيَجْعَلُ برفع اللام .

قال الزَّمَخْشَرِيُّ على أنه حال يعني : ويكون خبر المبتدأ محذوف لئلا يلزم دخول الواو على مضارع مثبت ، و " عسى " هنا تامة ؛ لأنها رفعت أنَّ وما بعدها ، والتقدير : فقد قربت كراهيتكم فاستغنت عن تقدير خبر ، والضمير في " فيه " يعود على شيء ، أي : في ذلك الشيء المكروه .

وقيل : يعود على الكره{[7087]} المدلول عليه بالفعل ، والمعنى { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ } ورغبتم في مفارقتهن ، فربما جعل في تلك المفارقة لهن خيراً كثيراً ، وذلك بأن تتزوج غيره خيراً منه .

ونظيره قوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] وهذا قول الأصَمِّ{[7088]} ، قال القاضي{[7089]} ، وهذا بعيد ؛ لأنه تعالى حث بما ذكر على استمرار الصحبة فكيف يريد المفارقة .

وقيل : الضمير يعود على الصبر ، وإن لم يجر له ذكر .


[7029]:ينظر: تفسير الرازي (10/9 ـ 10). وأخرجه البخاري (8/184) وأبو داود (2/310) رقم (2089) والبيهقي (7/138) والطبري في "تفسيره" (8/104) من طريق عكرمة عن ابن عباس مختصرا. وذكر السيوطي هذه الراوية في "الدر المنثور" (2/234) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم. وأخرجه الطبري في "تفسيره" (8/106) عن عطاء عن ابن عباس بمعناه وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/234) وزاد نسبته لابن المنذر.
[7030]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/106) عن عكرمة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/234 ـ 235) وزاد نسبته لابن المنذر.
[7031]:في ب: يمسكها.
[7032]:سقط في ب.
[7033]:انظر: الدر المصون 2/333.
[7034]:في أ: متقدما.
[7035]:ينظر: الإملاء 1/172.
[7036]:في أ: النساء.
[7037]:انظر: السبعة 229، والحجة 3/144، وحجة القراءات 195، والعنوان 83، وشرح الطيبة 4/198 ـ 199، وشرح شعلة 336، وإعراب القراءات 1/131، وإتحاف 1/506.
[7038]:في ب: الكسائي.
[7039]:في أ: عن.
[7040]:في أ: يرثوا.
[7041]:في أ: النافية.
[7042]:ينظر: الإملاء 1/172.
[7043]:ينظر: المحرر 2/27.
[7044]:ينظر: الإملاء 1/172.
[7045]:سقط في ب.
[7046]:ينظر: البحر المحيط 3/213، والمحرر 2/27.
[7047]:انظر: المحرر الوجيز 2/27، والبحر المحيط 3/213، والدر المصون 2/334.
[7048]:ينظر: البحر المحيط 3/213.
[7049]:سقط في ب.
[7050]:في أ: التوب.
[7051]:في أ: يصيح.
[7052]:ينظر: البحر المحيط 3/213.
[7053]:في أ: فهذا.
[7054]:في أ: لهذا.
[7055]:في ب: وخرج.
[7056]:سقط في ب.
[7057]:ينظر: المحرر الوجيز 2/27، وفي ب: ابن عباس.
[7058]:في أ: التعددية.
[7059]:في ب: حال.
[7060]:في ب: الأحوال.
[7061]:في ب: بني.
[7062]:ينظر: تفسير الرازي 10/11.
[7063]:ينظر: الإملاء 1/172.
[7064]:سقط في ب.
[7065]:انظر: السبعة 230، والحجة 4/145، وحجة القراءات 196، وإعراب القراءات 1/130، 131، والعنوان 83، وشرح شعلة 337، وشرح الطيبة 4/200، وإتحاف 1/507.
[7066]:سقط في ب.
[7067]:سقط في أ.
[7068]:وهي قراءة ابن عباس. انظر: المحرر الوجيز 2/28، والدر المصون 2/336.
[7069]:في ب: فيها.
[7070]:سقط في ب.
[7071]:في أ: عن.
[7072]:ينظر: القراءة السابقة.
[7073]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/116 ـ 117) عن ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/235) عن قتادة وعزاه لعبد بن حميد.
[7074]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/116) عن مقسم.
[7075]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/115 ـ 116) عن الحسن والسدي وأبي قلابة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/236) عن أبي قلابة سيرين وعزاه لابن المنذر.
[7076]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/117) عن عطاء وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/236) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر.
[7077]:ينظر: تفسير الرازي 10/11.
[7078]:سقط في ب.
[7079]:في ب: فيها.
[7080]:ينظر: الإملاء 1/172.
[7081]:ينظر: القرطبي 5/65.
[7082]:في ب: على أن المرأة.
[7083]:سقط في ب.
[7084]:ينظر: الكشاف 1/491.
[7085]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/122) عن السدي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/236) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (3/214) عن ابن عباس والسدي.
[7086]:قرأ بها عيسى بن عمر. انظر: الشواذ 25، والدر المصون 2/336.
[7087]:في ب: المكروه.
[7088]:ينظر: تفسير الرازي 10/11.
[7089]:ينظر: السابق.