قولهم : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ) الآية [ 19 ] .
الكَره والكُره لغتان( {[11900]} ) بمعنى عند البصريين والكسائي .
وقال الفراء : الكَره بالفتح أن يكون على الشيء ، والكُره المشقة ، هذا معنى قوله .
وقال القتبي : الكره بالفتح بمعنى القهر والضم بمعنى المشقة( {[11901]} ) .
ومعنى الآية عند أبي( {[11902]} ) بكير( {[11903]} ) وغيره : أنها نهي للرجل يحبس المرأة ، وليس له بها حاجة رجاء أن يرثها ، ونهاه أن يعضلها حتى تفتدي منه بما أخذت منه ، أو ببعضه .
وقوله : ( اِلاَّ أَنْ يَّاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) ، معناه أن تشتم عرضه ، أو تخالف أمره وتبذو عليه ، فكل فاحشة ( نعتت )( {[11904]} ) مبينة فهي من البَذاء باللسان ، وكل فاحشة مطلقة فهو الزنا ، والزنا يُسْتَر ويخفى ، فلا تكون مبينة ، والنطق بالبذاء يظهر ، فهو مبين من لسان فاعله ، ودل ( على )( {[11905]} ) ذلك قوله : يَانِسَاءَ النَّبِيءِ من يَاتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ )( {[11906]} ) عنى بذلك مخالفة ( أمر )( {[11907]} ) الرسول صلى الله عليه وسلم والأذى بالنطق ونعوذ بالله من أن يعني بذلك الزنا ، هذا معنى قول ابن بكير .
وقيل : إن الآية ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية ، وذلك أنه كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها كان ابنه من غيرها ، أو قريبه( {[11908]} ) أولى بها من غيرهما( {[11909]} ) ، ومنها( {[11910]} ) بنفسها ، فإن شاء نكحها وإن شاء منعها من النكاح وهو العضل فحرم الله ذلك على المؤمنين بهذه الآية( {[11911]} ) .
فمعنى الوراثة هو أن يأخذها لنفسه ، ويكون بها أولى من ولي نفسها ، ومن غيره ، ومعنى العضل : أن يأخذها ويمنعها من تزوج غيره ، كذلك قال جماعة أهل التفسير( {[11912]} ) ، ولكن اختلفوا ( فقيل كان ذلك سنة قريش في الجاهلية )( {[11913]} ) .
وقيل : كان ذلك سنة الجميع يمنع امرأة قريبه أن تتزوج ويغصبها نفسها إن شاء .
قال الضحاك : كان الرجل إذا( {[11914]} ) مات وترك امرأته أتى حميمه ، فألقى ثوبه عليها ، فورث نكاحها وكان أحق بها ، وكان ذلك عندهم نكاحاً ، فإن شاء أمسك حتى تفتدي( {[11915]} ) منه( {[11916]} ) ، وقال ابن عباس : كان حميم الميت يلقي ثوبه على امرأته فإن شاء تزوجها بذلك ، وإن( {[11917]} ) شاء حبسها حتى تموت ، فيرثها فذلك .
قوله : ( لاَ يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ) لأنهم يمنعونها من التزويج حتى تموت ، فيرثها بذلك إلا أن تذهب إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ثوبه فتكون أحق بنفسها ، كذلك حكمهم فيها( {[11918]} ) . وقال زيد بن أسلم : كان الرجل إذا مات في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد( {[11919]} ) . وكان أهل تهامة( {[11920]} ) يسيء الرجل صحبة ( المرأة )( {[11921]} ) حتى يطلقها ، أو يشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي ببعض ما أعطاها( {[11922]} ) ، فنهى الله عن ذلك( {[11923]} ) .
وقال مالك : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها كان نكاحها بيد ابن زوجها ، يعني من غيرها ، فإذا ماتت قبل أن تنكح كان ميراثها له ، فكان الرجل يعضل امرأة أبيه( {[11924]} ) عن النكاح حتى تموت فيرثها فنهى الله عن ذلك ونسخه .
قوله : ( وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ) الآية [ 19 ] .
أي : تحبسوهن عن النكاح لتأخذوا من أموالهن إذا متن ما كان موتاكم ساقوا لهن من صدقاتهن ، قال ذلك ابن عباس والحسن وعكرمة( {[11925]} ) فهو خطاب عند هؤلاء لورثة الميت .
وروي عن ابن عباس في معناها أيضاً أنها في مخاطبة الأزواج ألا يحبسوا النساء وهم كارهون لهن ليأخذوا منهن ما دفعوا إليهن( {[11926]} ) .
قال قتادة المعنى : لا ينبغي لك أن تحبس امرأتك وأنت كاره لها لتفتدي( {[11927]} ) منك( {[11928]} ) . وقال بعض أهل التفسير( {[11929]} ) نزل صدر الآية في الجاهلية ، وآخرها في أمر الإسلام فقوله : ( لاَ يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ) في الجاهلية .
وقوله : ( وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ) في الإسلام وهو ما ذكرنا من قول قتادة وما روي عن ابن عباس . وقال الضحاك : العضل أن يكره الرجل المرأة حتى تفتدي منه قال الله : ( وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدَ اَفْضَى بَعْضُكُمُ إِلَى بَعْضٍ( {[11930]} ) ) . وقيل : إن المنهي عن العضل هنا أولياء النساء ، قاله مجاهد( {[11931]} ) ، وقال ابن زيد : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة ثم لا توافقه( {[11932]} ) فيفارقها على ألا تتزوج إلا بإذنه ، فيشهد بذلك عليها ، فإذا خطبها الخاطب لم تتزوج حتى تعطي الأول ، وترضيه فيأذن لها وإلا منعها( {[11933]} ) .
وقوله : ( اِلاَّ أَنْ يَّاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) الآية [ 19 ] .
سمح للأزواج في المضارة إذا أتين بفاحشة ظاهرة يفتدين ببعض ما أعطوهن قال ذلك الحسن( {[11934]} ) .
وقال عطاء : كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة سلَّمَت إليه ما أخذت منه ، وأخرجها ، فنسخ ذلك بالحدود( {[11935]} ) .
وقال أبو قلابة : للرجل أن يضار بالمرأة إذا أتت بفاحشة ، ويضيق عليها حتى تختلع( {[11936]} ) منه( {[11937]} ) .
وقال ابن عباس : الفاحشة هنا النشوز( {[11938]} ) ، إذا نشزت وجاز له أن يأخذ منها الفدية( {[11939]} ) . وقيل( {[11940]} ) : الفاحشة هو بذاء اللسان على زوجها ، والزنى ، والنشوز ، فله إذا فعلت شيئاً من ذلك أن يأخذ منها الفدية ويضارر بها حتى تفتدي منه ، وإذا كانت الفاحشة بالألف واللام فهي الزنا واللواط .
قوله : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ) الآية [ 19 ] .
أي : صاحبوهن بالمعروف في المبيت والكلام . وقيل : المعروف إمساكهن بأداء حقوقهن التي لهن عليكم أو تسرحوهن( {[11941]} ) بإحسان . قوله : ( فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ) الآية [ 19 ] .
( خَيْراً كَثِيراً ) أي : في إمساكه ( خَيْراً كَثِيراً ) أي : في الصبر على إمساك ما تكرهون .
فالهاء في " فيه " تعود على الإمساك . قال مجاهد المعنى : ويجعل الله في الكراهة خيراً كثيراً( {[11942]} ) . قال السدي : ( وَيَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) أي : الولد( {[11943]} ) .
قال ابن عباس : خيراً كثيراً أي : يعطف عليها ، ويرزق منها ولداً ويجعل الله في ولدها خيراً كثيراً( {[11944]} ) .
فالهاء في ( فيه ) على قول مجاهد تعود على الكراهة( {[11945]} ) .