غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} (19)

11

قوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } من ههنا شروع في النهي عما كانوا عليه في الجاهلية من إيذاء النساء بصنوف من العذاب وضروب من البلاء وذلك أنواع : الأول قوله : { لا يحل لكم أن ترثوا } وفيه قولان : أحدهما الوراثة تعود إلى المال أي لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوهن أموالهن وهن كارهات لإمساككم ، وثانيهما أنها ترجع إلى أعيانهن . وكانوا إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو بعض أقاربه فألقى ثوبه عليها وقال : ورثت امرأته كما ورثت ماله . فصار أحق بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء تزوّجها بغير صداق إلا الصداق الأوّل الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها من إنسان آخر وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيئاً فنزلت . النوع الثاني : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } قال أكثر المفسرين : كان الرجل منهم يكره زوجته ويريد مفارقتها فيسيء العشرة معها ويضيق الأمر عليها حتى تفتدي منه بمالها وتختلع فنهوا عن ذلك . وقيل : إنه خطاب للوارث بأن يترك منعها من التزوّج بمن شاءت وأرادت لتبذل امرأة الميت ما أخذت من الميراث كما كان يفعله أهل الجاهلية . وقيل : إنه نهي للأولياء عن عضل المرأة ، أو للأزواج كما مر في سورة البقرة . قال في الكشاف : إعراب { تعضلوهن } النصب عطفاً على { أن ترثوا } ولا لتأكيد النفي . قلت : الظاهر أنه النهي لعطف الأمر وهو قوله : { وعاشروهن } عليه وصاحب الكشاف نظرا إلى لما قبله وذهل عما بعده { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } من قرأ بالفتح فلأن الفاحشة لا فعل لها في الحقيقة وإنما الله تعالى هو الذي بينها ، أو الشهود الأربعة هم بينوها . ومن قرأ بالكسر فلأنها إذا تبينت وظهرت صارت أسباباً للبيان كقوله :{ إنهن أضللن كثيراً من الناس }[ إبراهيم :36 ] لما صرن أسباباً للضلال . ثم إنه استثناء مماذا ؟ قيل : من أخذ المال أي لا يحل له أن يحبسها ضراراً لتفتدي إلا إذا زنت فحينئذٍ حل لزوجها أن يسألها الخلع . وكان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها . وقيل : استثناء من العضل نهوا عن حبسهن في بيوت الأولياء والأزواج إلا بعد وجود الفاحشة . ومن هؤلاء القائلين من زعم أن هذا الحكم منسوخ بآية الجلد . وقيل : الفاحشة هي النشوز وشكاسة الخلق أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فإنهم معذورون حينئذٍ في طلب الخلع .

النوع الثالث من التكاليف المتعلقة بأحوال النساء { وعاشروهن بالمعروف } وهو الإجمال في القول والإنصاف في المبيت والنفقة { فإن كرهتموهن } ورغبتم في فراقهن { فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } فههنا قد يميل طبعكم إلى المفارقة ويكون الخير في الاستمرار على المواصلة ، منه الثناء في الدنيا بحسن الوفاء وكرم الخلق ، ومنه الثواب في العقبى بالصبر على خلاف الهوى ، ومنه حصول ولد نجيب ومال كثير لليمن في صحبتها ، قال صلى الله عليه وسلم : " الشؤم في المرأة والفرس والدار " وقيل : المعنى إن رغبتم في مفارقتهن فربما جعل الله تعالى في تلك المفارقة لهن خيراً كثيراً بأن تتخلص من زوج سيئ العشرة وتجد زوجاً آخر أوفق منه .

/خ22