التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} (81)

{ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } في تأويل الآية أربعة أقوال :

الأول : أنها احتجاج ورد على الكفار على تقدير قولهم ، ومعناها لو كان للرحمن ولد كما يقول الكفار لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد كما يعظم خدم الملك ولد الملك لتعظيم والده ، ولكن ليس للرحمن ولد فلست بعابد إلا الله وحده ، وهذا نوع من الأدلة يسمى دليل التلازم لأنه علق عبادة الولد بوجوده ووجوده محال فعبادته محال ، ونظير هذا أن يقول المالكي إذا قصد الرد على الحنفي في تحريم النبيذ . إن كان النبيذ غير مسكر فهو حلال لكنه مسكر فهو حرام .

القول الثاني : إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم في قولكم أن له ولدا ، والعابدين على هذين القولين بمعنى العبادة .

القول الثالث : أن العابدين بمعنى المنكرين : يقال عبد الرجل إذا أنف وتكبر وأنكر الشيء ، والمعنى إن زعمتم أن للرحمن ولدا فأنا أول المنكرين لذلك ، وإن على هذه الأقوال الثلاثة شرطية .

القول الرابع : قال قتادة وابن زيد إن هنا نافية بمعنى ما كان للرحمن ولد وتم الكلام ، ثم ابتدأ قوله { فأنا أول العابدين } ، والأول هو الصحيح لأنه طريقة معروفة في البراهين والأدلة ، وهو الذي عول عليه الزمخشري ، وقال الطبري : هو ملاطفة في الخطاب ونحوه قوله تعالى : { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] ، وقال ابن عطية : منه قوله تعالى في مخاطبة الكفار { أين شركائي } [ النحل : 27 ] يعني : شركائي على قولكم .