الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} (81)

{ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ } وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها { فَأَنَاْ أَوَّلُ } من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه ، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض ، وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه ، وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها ، فكان المعلق بها محالاً مثلها ، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة ، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها . ونظيره أن يقول العدلى للمجبر ، إن كان الله تعالى خالقاً للكفر في القلوب ومعذباً عليه عذاباً سرمداً ، فأنا أول من يقول : هو شيطان وليس بإله ؛ فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفي أن يكون الله تعالى خالقاً للكفر ، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه ، ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا ، مع الدلالة على سماجة المذهب وضلالة الذاهب إليه ، والشهادة القاطعة بإحالته والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه ، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه . ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير رحمه الله للحجاج حين قال له - : أما والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى - : لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلها غيرك . وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه ، فقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم ، فأنا أول العابدين الموحدين لله ، المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه . وقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد : إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد . وقرأ بعضهم : «العبدين » وقيل : هي إن النافية ، أي : ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد . وروي : أنّ النضر بن عبد الدار بن قصي قال : إن الملائكة بنات الله فنزلت ، فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني . فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ولكن قال : ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة : أن لا ولد له . وقرىء «ولد » بضم الواو .