ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار قولاً يلزمهم به الحجة ، ويقطع ما يوردونه من الشبهة ، فقال : { قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } أي إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم ، فأنا أوّل من عبد الله وحده ، لأن من عبد الله وحده ، فقد دفع أن يكون له ولد ، كذا قال ابن قتيبة . وقال الحسن والسدّي : إن المعنى ما كان للرحمن ولد ، ويكون قوله : { فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } ابتداء كلام ، وقيل المعنى : قل يا محمد إن ثبت لله ولد ، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته ، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد . وفيه نفي للولد على أبلغ وجه ، وأتمّ عبارة ، وأحسن أسلوب ، وهذا هو الظاهر من النظم القرآني ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : { وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] ، ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره : إن ثبت ما تقوله بالدليل ، فأنا أوّل من يعتقده ، ويقول به ، فتكون { إن } في { إِن كَانَ } شرطية ، ورجح هذا ابن جرير وغيره . وقيل : معنى العابدين : الآنفين من العبادة ، وهو تكلف لا ملجأ إليه ، ولكن قرأ أبو عبد الرحمن اليماني : " لعبدين " بغير ألف ، يقال : عبد يعبد عبداً بالتحريك : إذا أنف وغضب ، فهو : عبد ، والاسم العبدة مثل الأنفة ، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى : { فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } ، وليس بمستبعد ولا مستنكر . وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله : { فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } أنه من الأنف والغضب . وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي ، وبه قال الفراء . وكذا قال ابن الأعرابي : إن معنى العابدين : الغضاب الآنفين . وقال أبو عبيدة : معناه : الجاحدين ، وحكى : عبدني حقي ، أي : جحدني ، وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق :
أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم *** وأعبد أن أهجو كليباً بدارم
أولاك أناس لو هجوني هجوتهم *** وأعبد أن يهجى كليب بدارم
ولا شك أن عبد ، وأعبد بمعنى : أنف أو غضب ثابت في لغة العرب ، وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة ، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجأ إليه ، ومن التعسف الواضح . وقد ردّ ابن عرفة ما قالوه فقال : إنما يقال عبد يعبد ، فهو عبد ، وقلّ ما يقال : عابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ، ولا الشاذ . قرأ الجمهور : { ولد } بالإفراد ، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما " ولد " بضم الواو ، وسكون اللام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.