فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} (81)

ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار قولا يلزمهم به الحجة ، ويقطع ما يوردونه من الشبهة فقال : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ( 81 ) } .

وصح ذلك ببرهان صحيح ، أو إن كان له ولد في قولكم ، وعلى زعمكم { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي أول من عبد الله وحده لأن عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد ، قاله ابن قتيبة وقال الحسن والسدي . إن المعنى ما كان للرحمن ولد ، ويكون قوله : فأنا أول العابدين ابتداء كلام .

قال ابن عباس في الآية يقول إن يكن للرحمن ولد { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي الشاهدين ، وعن زيد بن أسلم قال هذا معروف من كلام العرب إن كان هذا الأمر قط ، أي ما كان ، وعن قتادة نحوه وقيل : المعنى قل يا محمد : إن ثبت لله ولد ، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته ، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد . وفيه نفي للولد على أبلغ وجه ، وأتم عبارة ، وأحسن أسلوب ، وهذا هو الظاهر من النظم القرآني ، لأن هذا الكلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفي الولد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالا مثلها ، ومن هذا القبيل قوله تعالى :

{ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره إن ثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به فتكون إن في { إن كان } شرطية ورجح هذا ابن جرير وغيره .

وقيل : معنى العابدين الآنفين للعبادة وهو تكلف لا ملجئ إليه ولكنه قرئ العبدين : بغير ألف ؛ من عبد يعبد عبدا بالتحريك إذا أنف وغضب ، فهو عبد ، والاسم العبدة مثل الأنفة ولعل الحامل على هذه القراءة الشاذة البعيدة لمن قرأها هو استبعاد معنى { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } وليس بمستبعد ولا مستنكر وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله : { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أنه من الأنف أو الغضب ؛ وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي وبه قال الفراء ، وكذا قال ابن الأعرابي إن معنى العابدين الغضاب الآنفين .

وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، وحكى عبدني حقي أي جحدني ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف أو غضب ثابت في لغة العرب ، وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجئ إليه ومن التعسف الواضح ، وقد رد ابن عرفة ما قالوه فقال : إنما يقال : عبد يعبد فهو عبد ، وقل ما يقال : عابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ ، قرأ الجمهور ولد بالإفراد وقرئ بضم الواو وسكون اللام .