ولما تقدم أول السورة تبكيتهم والتعجيب منهم في ادعائهم لله ولداً من الملائكة وهددهم بقوله تعالى : { ستكتب شهادتهم ويسألون } أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : { قل } أي : لهؤلاء البعداء البغضاء { إن كان للرحمان } أي : العام الرحمة { ولد } أي : على زعمكم والمراد به الجنس لادعائهم في الملائكة وغيرهم { فأنا } أي : في الرتبة ، وقرأ نافع بمد الألف بعد النون والباقون بغير مد { أول العابدين } للرحمن العبادة التي هي العبادة ولا يستحق غيرها أن يسمى عبادة وهي الخالصة أي : فأنا لا أعبد غيره لا ولداً ولا غيره ، ولم يشأ لي الرحمان أن أعبد الولد ولا غيره ، أو يكون المعنى : أنا أول العابدين للرحمن على وجه الإخلاص لم أشرك به شيئاً أصلاً في وقت من الأوقات بما سميتموه ولداً أو شريكاً أو غيرهما ، ولو شاء ما عبدته على وجه الإخلاص ولا شك عندكم وعند غيركم أن من أخلص لأحد كان أولى من غيره برحمته فلو أن الإخلاص له ممنوع ما شاءه لي ولولا أن عبادة غيره ممنوعة لشاءها لي ولو أن له ولداً لشاء لي عبادته ، فإن عموم رحمته لكافة خلقه لكونهم خلقه وخصوصها بي لكوني عبده خالصاً يمنع على زعمكم من أن يشقيني وأنا أخلص له فبطلت شبهتكم بمثلها بل بأقوى منها ، وهذا مما علق بشيء هو بنقيضه أولى .
وقال الزمخشري : إن كان للرحمان ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه ، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالاً مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها ، ثم قال : وقد تمحل الناس بما أخرجوه من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه فقيل : إن كان للرحمان ولد في زعمكم فأنا أول العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه ، وقيل : إن كان للرحمان ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد .
وقال ابن عباس : إن إن نافية أي : ما كان له ولد فإني أول من عبده رتبة وما علمت له ولداً ولو كان له ولد إله لعبدته تقرباً إليه بعبادة ولده ، وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : إن الملائكة بنات الله تعالى فنزلت فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.