تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} (81)

يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد : { إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي : لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا ، كما قال تعالى : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] .

[ و ] {[26144]} قال بعض المفسرين في قوله : { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي : الآنفين . ومنهم سفيان الثوري ، والبخاري حكاه فقال : ويقال : { أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } الجاحدين ، من عبد يعبد .

وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، حدثني ابن أبي ذئب ، عن أبي قُسَيْط{[26145]} ، عن بَعَجة بن زيد الجهني ، أن امرأة منهم دخلت على زوجها - وهو رجل منهم أيضا - فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فقال : إن الله يقول في كتابه : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا } [ الأحقاف : 15 ] ، وقال { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [ لقمان : 14 ] ، قال : فوالله ما عبد عثمان ، رضي الله عنه ، أن بعث إليها : ترد - قال يونس : قال ابن وهب : عبد : استنكف . {[26146]}

[ و ] ا{[26147]} قال الشاعر :

مَتَى مَا يَشَأ ذُو الوُدِّ يصْرِمْ خَليله *** ويَعْبَدُ عَلَيه لا مِحَالَة ظَالمًا {[26148]}

وهذا القول فيه نظر ؛ لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره : إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ، فليتأمل . اللهم إلا أن يقال : " إن " ليست شرطا ، وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ } ، يقول : لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين .

وقال قتادة : هي كلمة من كلام العرب : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي : إن ذلك لم يكن فلا ينبغي .

وقال أبو صخر : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي : فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحده . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال مجاهد : { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } أي : أول من عبده ووحده وكذبكم .

وقال البخاري : { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } الآنفين . وهما لغتان ، رجل عابد وعبد{[26149]} .

والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ، ولكن هو ممتنع .

وقال السدي [ في قوله ]{[26150]} { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } يقول : لو كان له ولد كنت أول من عبده ، بأن له ولدا ، لكن لا ولد له . وهو اختيار ابن جرير ، وردّ قول من زعم أن " إن " نافية .

ولهذا قال : { سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }


[26144]:- (1) زيادة من ت، م.
[26145]:- (2) في ت: "ما رواه بإسناده".
[26146]:- (3) تفسير الطبري (25/61).
[26147]:- (4) زيادة من ت، م.
[26148]:- (5) البيت في تفسير الطبري (25/60).
[26149]:- (1) صحيح البخاري (8/568) "فتح الباري".
[26150]:- (2) زيادة من أ.