التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (45)

{ وكتبنا عليهم فيها } كتبنا بمعنى الكتابة في الألواح ، أو بمعنى الفرض والإلزام ، والضمير في عليهم لبني إسرائيل ، وفي قوله :{ فيها } للتوراة .

{ أن النفس بالنفس } أي : تقتل النفس إذا قتلت نفسا ، وهذا إخبار عما في التوراة وهو حكم في شريعتنا بإجماع إلا أن هذا اللفظ عام ، وقد خصص العلماء منه أشياء ، فقال مالك : لا يقتل مؤمن بكافر للحديث الوارد في ذلك ولا يقتل حر بعبد ، لقوله :{ الحر بالحر والعبد بالعبد }[ البقرة :178 ] ، وقد تقدم الكلام على ذلك في البقرة .

{ والعين بالعين } وما بعده حكم القصاص في الأعضاء ، والقراءة بنصب العين وما بعده عطف على النفس ، وقرئ بالرفع ولها ثلاثة أوجه :

أحدها : العطف على موضع النفس لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس .

والثاني : العطف على الضمير الذي في الخبر وهو بالنفس .

والثالث : أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء .

{ والجروح قصاص } بالنصب عطف على المنصوبات قبله ، وبالرفع على الأوجه الثلاثة التي في رفع العين ، وهذا اللفظ عام يراد به الخصوص في الجراح التي لا يخاف على النفس منها .

{ فمن تصدق به فهو كفارة له } فيه تأويلان :

أحدهما : من تصدق من أصحاب الحق بالقصاص وعفا عنه ، فذلك كفارة له يكفر الله ذنوبه لعفوه وإسقاطه حقه .

والثاني : من تصدق وعفا فهو كفارة للقاتل والجارح بعفو الله عنه في ذلك لأن صاحب الحق قد عفا عنه ، فالضمير في له على التأويل الأول يعود على من التي هي كناية عن المقتول أو المجروح ، أو الولي ، وعلى الثاني يعود على القاتل أو الجارح وإن لم يجر له ذكر ولكن سياق الكلام يقتضيه ، والأول أرجح لعود الضمير على مذكور ، وهو من ، ومعناها واحد على التأويلين ، والصدقة بمعنى العفو على التأويلين ، إلا أن التأويل الأول بيان لأجر من عفا ، وترغيب في العفو ، والتأويل الثاني بيان لسقوط الإثم عن القاتل أو الجارح إذا عفى عنه .