بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (45)

ثم بين الحكم الذي في التوراة فقال :

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } يعني : فرضنا على بني إسرائيل ، في التوراة { أَنَّ النفس بالنفس } إذا كان القتل عمداً ، { والعين بالعين } إذا كان عمداً ، { والأنف بالأنف } إذا كان عمداً ، { والأذن بالأذن } إذا كان عمداً ، { والسن بالسن } إذا كان عمداً ، { والجروح قِصَاصٌ } إذا كان عمداً . وروى عكرمة عن ابن عباس : أن بني النضير كان لهم شرف على بني قريظة ، وكانت جراحاتهم على النصف ، فحملهم على الحق ، وجعل دم القرظي والنضيري سواء . فقال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف : لا نرضى بحكمك ، لأنك تريد أن تصغرنا بعداوتك . فنزل { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون } ، ثم صارت الآية عامة في جميع الناس في وجوب القصاص في النفس ، وفي الجراحات . قرأ عاصم وحمزة ونافع { أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين } والحروف الست كلها بالنصب . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر كلها بالنصب ، غير الجروح فإنهم يقرؤونها بالضم على معنى الابتداء . وقرأ الكسائي كلها بالضم إلا النفس .

ثم قال : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } يعني : عفا عن مظلمته في الدنيا ، وترك القصاص ، { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } قال القتبي : فهو كفارة للجارح وأجر للمجروح . وقال مجاهد : كفارة للجارح ، وأجر للعافي . وقال بعضهم : هو كفارة للعافي ، أي يكفر الله تعالى عنه بعفوه بعض ما سلف من ذنوبه . ويقال : { كَفَّارَةٌ لَّهُ } أي للجارح ، يعني : إذا ترك الولي حقه سقط القصاص عن الجارح .

وروى محرر ، عن أبي هريرة ، عن رجل من الأنصار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أُصِيبَ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَتَرَكَهُ لله تَعَالَى ، كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ » وقال الحسن : ينادي منادٍ يوم القيامة : من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلا من قد عفا .

ثم قال : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون } يعني : يظلمون أنفسهم . والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه . فالذي عرض نفسه للعقوبة ، فقد وضع الشيء في غير موضعه .