العين : حاسة الرؤية وهي مؤنثة ، وتجمع في القلة على أعين وأعيان ، وفي الكثرة على عيون .
ولكنني أغدو عليّ مفاضة *** دلاص كأعيان الجراد المنظم
ويقال للجاسوس : ذو العينين ، والعين لفظ مشترك بين معان كثيرة ذكرها اللغويون .
الأنف : معروف والجمع آناف وأنف وأنوف .
{ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم ، وغيره اليهود ، وبين هنا أنّ في التوراة : أن النفس بالنفس وغيره اليهود أيضاً ، ففضلوا بني النضير على بني قريظة ، وخصوا إيجاب القود على بني قريظة دون بني النضير .
وقيل : قلنا والكتابة بمعنى القول ويجوز أن يراد الكتابة حقيقة ، وهي الكتابة في الألواح ، لأن التوراة مكتوبة في الألواح ، والضمير في فيها عائد على التوراة ، وفي : عليهم ، على الذين هادوا .
وقرأ نافع ، وحمزة ، وعاصم : بنصب ، والعين وما بعدها من المعاطيف على التشريك في عمل أنّ النصب ، وخبر أنّ هو المجرور ، وخبر والجروح قصاص .
وقدَّر أبو عليّ العامل في المجرور مأخوذ بالنفس إلى آخر المجرورات ، وقدره الزمخشري أولاً : مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلها بغير حق ، وكذلك العين مفقوأة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مأخوذة مقطوعة بالأذن ، والسن مقلوعة بالسن .
وينبغي أن يحمل قول الزمخشري : مقتولة ومفقوأة ومجدوع مقطوعة على أنه تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ، لأن المجرور إذا وقع خبراً لا بد أن يكون العامل فيه كوناً مطلقاً ، لا كوناً مقيداً .
والباء هنا باء المقابلة والمعاوضة ، فقدر ما يقرب من الكون المطلق وهو مأخوذ .
فإذا قلت : بعت الشاء شاة بدرهم ، فالمعنى مأخوذ بدرهم ، وكذلك الحر بالحر ، والعبد بالعبد .
التقدير : الحر مأخوذ بالحر ، والعبد مأخوذ بالعبد .
وكذلك هذا الثوب بهذا الدرهم معناه مأخوذ بهذا الدرهم .
وقال الحوفي : بالنفس يتعلق بفعل محذوف تقديره : يجب ، أو يستقر .
وكذا العين بالعين وما بعدها مقدر الكون المطلق ، والمعنى : يستقر قتلها بقتل النفس .
وقرأ الكسائي : برفع والعين وما بعدها .
وأجاز أبو عليّ في توجيه الرفع وجوهاً .
الأول : أنّ الواو عاطفة جملة على جملة ، كما تعطف مفرداً على مفرد ، فيكون والعين بالعين جملة اسمية معطوفة على جملة فعلية وهي : وكتبنا ، فلا تكون تلك الجمل مندرجة تحت كتبنا من حيث اللفظ ، ولا من حيث التشريك في معنى الكتب ، بل ذلك استئناف إيجاب وابتداء تشريع .
الثاني : أنّ الواو عاطفة جملة على المعنى في قوله : إن النفس بالنفس ، أي : قل لهم النفس بالنفس ، وهذا العطف هو من العطف على التوهم ، إذ يوهم في قوله : إن النفس بالنفس ، إنه النفس بالنفس ، والجمل مندرجة تحت الكتب من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ .
الثالث : أن تكون الواو عاطفة مفرداً على مفرد ، وهو أن يكون : والعين معطوفاً على الضمير المستكن في الجار والمجرور ، أي بالنفس هي والعين وكذلك ما بعدها .
وتكون المجرورات على هذا أحوالاً مبينة للمعنى ، لأن المرفوع على هذا فاعل ، إذ عطف على فاعل .
وهذان الوجهان الأخيران ضعيفان : لأن الأول منهما هو المعطوف على التوهم ، وهو لا ينقاس ، إنما يقال منه ما سمع .
والثاني منهما فيه العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير فصل بينه وبين حرف العطف ، ولا بين حرف العطف والمعطوف بلا ، وذلك لا يجوز عند البصريين إلا في الضرورة ، وفيه لزوم هذه الأحوال .
والأصل في الحال أن لا تكون لازمة .
وقال الزمخشري : الرفع للعطف على محل : أنّ النفس ، لأن المعنى : وكتبنا عليهم النفس بالنفس ، إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا ، وإما أنّ معنى الجملة التي هي قولك : النفس بالنفس ، مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة يقول : كتبت الحمد لله ، وقرأت سورة أنزلناها .
وكذلك قال الزجاج : لو قرئ أنّ النفس لكان صحيحاً انتهى .
وهذا الذي قاله الزمخشري هو الوجه الثاني من توجيه أبي علي ، إلا أنه خرج عن المصطلح فيه ، وهو أن مثل هذا لا يسمى عطفاً على المحل ، لأن العطف على المحل هو العطف على الموضع ، وهذا ليس من العطف على الموضع ، لأن العطف على الموضع هو محصور وليس هذا منه ، وإنما هو عطف على التوهم .
ألا ترى أنا لا نقول أن قوله : إنّ النفس بالنفس في موضع رفع ، لأن طالب الرفع مفقود ، بل نقول : إنّ المصدر المنسبك من أنّ واسمها وخبرها لفظه وموضعه واحد وهو النصب ، والتقدير : وكتبنا عليهم فيها النفس بالنفس ، إمّا لإجراء كتبنا مجرى قلنا ، فحكيت بها الجملة : وإمّا لأنهما مما يصلح أن يتسلط الكتب فيها نفسه على الجملة لأنّ الجمل مما تكتب كما تكتب المفردات ، ولا نقول : إن موضع أنّ النفس بالنفس وقع بهذا الاعتبار .
وقرأ العربيان وابن كثير : بنصب والعين ، والأنف ، والأذن ، والسن ، ورفع والجروح .
ووجه أبو علي : رفع والجروح على الوجوه الثلاثة التي ذكرها في رفع والعين وما بعدها .
وروي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أنّ النفس بتخفيف أن ، ورفع العين وما بعدها فيحتمل أن وجهين : أحدهما : أن تكون مصدرية مخففة من أنّ ، واسمها ضمير الشأن وهو محذوف ، والجملة في موضع رفع خبر أنّ فمعناها معنى المشدّدة العاملة في كونها مصدرية .
والوجه الثاني : أن تكون أن تفسيرية التقدير أي : النفس بالنفس ، لأن كتبنا جملة في معنى القول .
وقرأ أبيّ بنصب النفس ، والأربعة بعدها .
وقرأ : وأنْ الجروح قصاص بزيادة أن الخفيفة ، ورفع الجروح .
ويتعين في هذه القراءة أن تكون المخففة من الثقيلة ، ولا يجوز أن تكون التفسيرية من حيث العطف ، لأن كتبنا تكون عاملة من حيث المشدّدة غير عاملة من حيث التفسيرية ، فلا يجوز لأن العطف يقتضي التشريك ، فإذا لم يكن عمل فلا تشريك .
وقرأ نافع : والأذن بالأذْن بإسكان الذال معرفاً ومنكراً ومثنى حيث وقع .
فقيل : هما لغتان ، كالنكر والنكر .
وقيل : الإسكان هو الأصل ، وإنما ضم اتباعاً .
وقيل : التحريك هو الأصل ، وإنما سكن تخفيفاً .
ومعنى هذه الآية : أن الله فرض على بني إسرائيل أنّ من قتل نفساً بحد أخذ نفسه ، ثم هذه الأعضاء كذلك ، وهذا الحكم معمول به في ملتنا إجماعاً .
والجمهور على أنّ قوله أنّ النفس بالنفس عموم يراد به الخصوص في المتماثلين .
وقال قوم : يقتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي ، وبه قال أبو حنيفة : وأجمعوا على أنّ المسلم لا يقتل بالمستأمن ولا بالحربي ، ولا يقتل والد بولده ، ولا سيد بعبده .
وتقتل جماعة بواحد خلافاً لعلي ، وواحد بجماعة قصاصاً ، ولا يجب مع القود شيء من المال .
وقال الشافعي : يقتل بالأول منهم وتجب دية الباقين ، قد مضى الكلام في ذلك في البقرة في قوله : { كتب عليكم القصاص في القتلى } الآية .
وقال ابن عباس : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت .
وقال أيضاً : رخص الله تعالى لهذه الأمة ووسع عليها بالدية ، ولم يجعل لبني إسرائيل دية فيما نزل على موسى وكتب عليهم .
وقال الثوري : بلغني عن ابن عباس أنه نسخ
{ الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد } قوله : أن النفس بالنفس ، والظاهر في قوله : النفس بالنفس العموم ، ويخرج منه ما يخرج بالدليل ، ويبقى الباقي على عمومه .
والظاهر في قوله : العين بالعين فتفقأ عين الأعور بعين من كان ذا عينين ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وروي عن عثمان وعمر في آخرين : أن عليه الدية .
وقال مالك : إن شاء فقأ وإن شاء أخذ الدية كاملة .
وبه قال : عبد الملك بن مروان ، وقتادة ، والزهري ، والليث ، ومالك ، وأحمد ، والنخعي .
وروى نصف الدية عن : عبد الله بن المغفل ، ومسروق ، والنخعي ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والشافعي .
وتفقأ اليمنى باليسرى ، وتقلع الثنية بالضرس ، وعكسهما لعموم اللفظ ، وبه قال ابن شبرمة .
وقال الجمهور : هذا خاص بالمساواة ، فلا تؤخذ يمنى بيسرى مع وجودها إلا مع الرضا .
ولو فقأ عيناً لا يبصر بها فعن زيد بن ثابت : فيها مائة دينار ، وعن عمر : ثلث ديتها .
وقال مسروق ، والزهري ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر : فيها حكومة .
ولو أذهب بعض نور العين وبقي بعض ، فمذهب أبي حنيفة : فيها الارش .
وعن علي : اختبار بصره ، ويعطى قدر ما نقص من مال الجاني .
وفي الأجفان كلها الدية ، وفي كل جفن ربع الدية قاله : زيد بن ثابت ، والحسن ، والشعبي ، وقتادة ، وابراهيم ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي .
وقال الشعبي : في الجفن الأعلى ثلث الدية ، وفي الأسفل ثلثاها .
واختلف فيمن قطع أنفاً هل يجري فيها القصاص أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : إذا قطعه من أصله فلا قصاص فيه ، وإنما فيه الدية .
وروي عن أبي يوسف : أن في ذلك القصاص إذا استوعب .
واختلف في كسر الأنف : فمالك يرى القود في العمد منه ، والاجتهاد في الخطأ .
وروي عن نافع : لا دية فيه حتى يستأصله .
وروي عن علي : أنه أوجب القصاص في كسره .
وقال الشافعي : إن جبر كسره ففيه حكومة ، وما قطع من المارن بحسابه ، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والشعبي ، وبه قال الشافعي : وفي المارن إذا قطع ولم يستأصل الأنف الدية كاملة ، قاله : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه .
والمارن ما لان من الأنف ، والأرنبة والروثة طرف المارن .
ولو أفقده الشم أو نقصه : فالجمهور على أنّ فيه حكومة عدل .
والأذن بالأذن يقتضي وجوب القصاص إذا استوعب ، فإن قطع بعضها ففيه القصاص إذا عرف قدره .
وقال الشافعي : في الأذنين الدية ، وفي إحداهما نصفها .
وقال مالك : في الأذنين حكومة ، وإنما الدية في السمع ، ويقاس نقصاه كما يقاس في البصر .
وفي إبطاله من إحداهما نصف الدية ولو لم يكن يسمع إلا بها .
والسن بالسن يقتضي أنّ القلع قصاص ، وهذا لا خلاف فيه ، ولو كسر بعضها .
والأسنان كلها سواء : ثناياها ، وأنيابها ، وأضراسها ، ورباعياتها ، في كل واحدة خمس من الإبل من غير فضل .
وبه قال : عروة ، وطاووس ، وقتادة ، والزهري ، والثوري ، وربيعة ، والأوزاعي ، وعثمان البتي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .
وروي عن علي ، وابن عباس ، ومعاوية .
وروى ابن المسيب عن عمر : أنه قضى فيما أقبل من الفم بخمس فرائض وذلك خمسون ديناراً ، كل فريضة عشر دنانير ، وفي الأضراس بعير بعير .
قال ابن المسيب : فلو أصيب الفم كله في قضاء عمر نقصت الدية ، أو في قضاء معاوية زادت ، ولو كنت إنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين .
قال عمر : الأضراس عشرون ، والأسنان اثنا عشر : أربع ثنايا ، وأربع رباعيات ، وأربع أنياب .
والخلاف إنما هو في الأضراس لا في الأسنان ، ففي قضاء عمر الدية ثمانون ، وفي قضاء معاوية مائة وستون .
وعلى قول ابن المسيب مائة ، وهي الدية كاملة من الإبل .
وقال عطاء في الثنيتين والرباعيتين والنابين : خمس خمس ، وفيما بقي بعيران بعيران ، أعلى الفم وأسفله سواء .
ولو قلعت سن صبي لم يثغر فنبتت فقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا شيء على القالع .
إلا أن مالكاً والشافعي قالا : إذا نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها أخذ له من ارشها بقدر نقصها .
وقالت طائفة : فيها حكومة ، وروي ذلك عن الشعبي ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .
ولو قلعت سن كبير فأخذ ديتها ثم نبتت فقال مالك : لا يرد ما أخذ .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : يرد ، والقولان عن الشافعي .
ولو قلعت سن قوداً فردها صاحبها فالتحمت فلا يجب قلعها عند أبي حنيفة ، وبه قال عطاء الخراساني وعطاء بن أبي رباح .
وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : يجبر على القلع ، به قال ابن المسيب ، ويعيد كل صلاة صلاها بها .
وكذا لو قطعت أذنه فردها في حرارة الدم فالتزقت ، وروي هذا القول عن عطاء أبو بكر بن العربي قال : وهو غلط .
ولو قلع سناً زائدة فقال الجمهور : فيها حكومة ، فإن كسر بعضها أعطى بحساب ما نقص منها ، وبه قال : مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد .
قال الأدفوي : وما علمت فيه خلافاً .
وقال زيد بن ثابت : في السن الزائدة ثلث السن ، ولو جنى على سن فاسودت ثم عقلها ، روي ذلك عن زيد ، وابن المسيب ، وبه قال : الزهري ، والحسن ، وابن سيرين ، وشريح ، والنخعي ، وعبد الملك بن مروان ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والثوري .
وروي عن عمران : فيها ثلث ديتها ، وبه قال : أحمد وإسحاق .
وقال النخعي والشافعي وأبو ثور : فيها حكومة ، فإن طرحت بعد ذلك ففيها عقلها ، وبه قال الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وإنْ اسود بعضها كان بالحساب قاله : الثوري .
ولفظ الجروح عام ، والمراد به الخصوص ، وهو ما يمكن فيه القصاص .
وتعرف المماثلة ولا يخاف فيها على النقص ، فإن خيف كالمأمومة وكسر الفخذ ونحو ذلك فلا قصاص فيها .
ومدلول : والجروح قصاص ، يقتضي أن يكون الجرح بمثله ، فإن لم يكن بمثله فليس بقصاص .
واختلفوا في القصاص بين الرجال والنساء ، وبين العبد والحر .
وجميع ما عدا النفس هو من الجراحات التي أشار إليها بقوله : والجروح قصاص ، لكنه فصل أول الآية وأجمل آخرها ليتناول ما نص عليه وما لم ينص ، فيحصل العموم .
ومن جملة الجروح الشجاج فيما يمكن فيه القصاص ، فلا خلاف في وجوبها فيه ، وما لا فلا قصاص فيه كالمأمومة .
وقال أبو عبيد : فليس في شيء من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة ، لأنه ليس شيء منها له حد ينتهي إليه سواها ، وأما غيرها من الشجاج ففيه ديته انتهى .
وقال غيره : في الخارصة القصاص بمقدارها إذا لم يخش منها سراية ، وأقاد ابن الزبير من المأمومة ، وأنكر الناس عليه .
قال عطاء : ما علمنا أحداً أقاد منها قبله .
وأما الجروح في اللحم فقال : فقد ذكر بعض أهل العلم أن القصاص فيها ممكن بأن يقاس بمثل ، ويوضع بمقدار ذلك الجرح .
{ فمن تصدق به فهو كفارة له } المتصدق صاحب الحق .
ومستو في القصاص الشامل للنفس والأعضاء وللجروح التي فيها القصاص ، وهو ضمير يعود على التصدق أي : فالتصدق كفارة للمتصدق ، والمعنى : أنّ من تصدق بجرحه يكفر عنه ، قاله : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وأبو الدرداء ، وقتادة ، والحسن ، والشعبي .
وذكر أبو الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه الله بذلك درجة وحط عنه خطيئة " وذكر مكي حديثاً من طريق الشعبي : » أنه يحط عنه من ذنوبه ما عفى عنه من الدية« وعن عبد الله بن عمر : يهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق .
وقيل : الضمير في له عائد على الجاني وإنْ لم يتقدّم له ذكر ، لكنه يفهم من سياق الكلام ، ويدل عليه المعنى .
والمعنى : فذلك العفو والتصدق كفارة للجاني يسقط عنه ما لزمه من القصاص .
وكما أن القصاص كفارة كذلك العفو كفارة ، وأجر العافي على الله تعالى قاله : ابن عباس ، والسبيعي ، ومجاهد ، وابراهيم ، والشعبي ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل .
وقيل : المتصدق هو الجاني ، والضمير في له يعود عليه .
والمعنى : إذا جنى جان فجهل وخفى أمره فتصدق هو بأن عرف بذلك ومكن من نفسه ، فذلك الفعل كفارة لذنبه .
وقال مجاهد : إذا أصاب رجل رجلاً ولم يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب فهو كفارة للمصيب .
وأصاب عروة عند الركن إنساناً وهم يستلمون فلم يدر المصاب من أصابه فقال له عروة : أنا أصبتك ، وأنا عروة بن الزبير ، فإن كان يلحقك بها بأس فأنا بها .
وعلى هذا القول يحتمل أن يكون تصدق تفعل من الصدقة ، ويحتمل أن يكون من الصدق .
وقرأ أبي : فهو كفارة له يعني : فالتصدق كفارته ، أي الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها ، وهو تعظيم لما فعل لقوله : { فأجره على الله } وترغيب في العفو .
وتأول قوم الآية على معنى : والجروح قصاص ، فمن أعطى دية الجرح وتصدق به فهو كفارة له إذا رضيت منه وقبلت .
وفي مصحف أبي : ومن يتصدق به فإنه كفارة له .
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } ناسب فيما تقدم ذكر الكافرين ، لأنه جاء عقيب قوله : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } الآية ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها ، بل يخالف رأساً .
ولذلك جاء : { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } وهذا كفر ، فناسب ذكر الكافرين .
وهنا جاء عقيب أشياء مخصوصة من أمر القتل والجروح ، فناسب ذكر الظلم المنافي للقصاص وعدم التسوية ، وإشارة إلى ما كانوا قرروه من عدم التساوي بين بني النضير وبني قريظة .