الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (45)

قوله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس . . . } [ المائدة :45 ] .

أي : وكتبنا على بني إسرائيل في التوراة ، ومعنى هذه الآية : الخَبَرُ بأن اللَّه تعالى كتَبَ فرضاً على بني إسرائيل ، أنه مَنْ قَتَل نفساً ، فيجب في ذلك أخْذُ نفسه ، ثم هذه الأعضاءُ المذكورةُ كذلك ، ثم استمر هذا الحكم في هذه الأُمَّة بما عُلِمَ من شرع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس : ورخَّص اللَّه لهذه الأُمَّة ، ووسَّع لها بالدِّيَة ، ولم يجعلْ لبني إسرائيل ديةً فيما نَزَّل على موسى ، والجمهور { أَنَّ النفس بالنفس } : عمومٌ يراد به الخصوصُ في المتماثلين ، كما ورد في الحديث ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ) ، وكذلك قوله سبحانه : { والجروح قِصَاصٌ } عمومٌ يراد به الخصوصُ فيما لا يخافُ منها على النفْسِ ، وكُتُبُ الفقْهِ محَلُّ استيعابِ الكلامِ على هذه المعانيِ .

قال ( ص ) : { والجروح قِصَاصٌ } أيْ : ذاتُ قصاصٍ ، انتهى .

وقوله سبحانه : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } المعنى : أنَّ من تصدَّق بجُرْحه أو دمِ وليه وعفا ، فإنَّ ذلك العَفْوَ كفَّارة لذنوبه يعظم اللَّه أجْره بذلك ، قاله ابن عمر ، وغيره ، وفي معناه حديثٌ مرويٌّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم .

قُلْتُ : وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ إلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً ) ، رواه الترمذيُّ ، انتهى .

وقيل : المعنى فذلك العفو كفَّارة للجارحِ عن ذلك الذنْبِ ، كما أن القِصَاص كفَّارة ، فكذلك العفو كفَّارة ، وأما أجر العافي ، فعلى اللَّه تعالى ، قاله ابن عبَّاس وغيره .

وقيل : المعنى إذَا جنى جانٍ ، فجُهِلَ ، وخَفِيَ أمره ، فتصدَّق هذا الجاني ، بأن اعترفَ بذلك ، ومكَّنَ من نفسه ، فذلك الفعْلُ كفَّارة لذنبه .