غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (45)

41

ثم إنه سبحانه لما بيّن أن حكم الزاني المحصن في التوراة هو الرجم واليهود غيروه أراد أن يبين أن نص التوراة هو قتل النفس بالنفس وأنهم بدّلوه حيث فضلوا بني النضير على بني قريظة فقال : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين } من قرأ المعطوفات كلها بالنصب فظاهر ، ومن قرأ ما سوى الأوّل بالرفع فللعطف على محل النفس إذ المعنى وكتبنا عليهم في التوراة النفس بالنفس إما لإجراء { كتبنا } مجرى " قلنا " وإما بطريق الحكاية كقولك : كتبت الحمد لله وقرأت سورة " إن أنزلناه " . وإما على سبيل الاستئناف والمعنى على جميع التقادير . فرضنا عليهم فيها أن النفس مقتولة بالنفس إذا قتلتها بغير حق ، والعين مفقوأة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مصلومة بالأذن ، والسن مقلوعة بالسن ، والجروح ذات قصاص أي مقاصة . وهذا تعميم للحكم بعد ذكر بعض التفاصيل والمراد منه كل ما يمكن المساواة فيه من الأطراف كالذكر والأنثيين والإليتين والقدمين واليدين ، ومن الجراحات المضبوطة كالموضحة مثلاً وهي التي توضح العظم وتبدي وضحه وهو الضوء والبياض ، وكذا منافع الأعضاء والأطراف كالسمع والبصر والبطش .

فأما الذي لا يمكن القصاص فيه كرض في لحم أو كسر في عظم أو خدش وإدماء في جلد ففي ذلك أرش أو حكومة وتفاصيلها في كتب الفقه . { فمن تصدق به فهو كفارة له } الضمير في { به } يعود إلى القصاص وفي { هو } إلى التصدق الدال عليه الفعل . وفي { له } وجهان : أحدهما أنه يعود إلى العافي المتصدق لما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من تصدق من جسده بشيء كفر الله تعالى عنه بقدره من ذنوبه " وعن عبد الله بن عمرو : " يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به " والثاني أنه يعود إلى الجاني المعفو عنه أي لا يؤاخذه الله تعالى بعد ذلك العفو ، وأما العافي فأجره على الله تعالى

/خ47