تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ} (65)

يقول تعالى : ولما فتح إخوة يوسف متاعهم ، وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم ، وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم ، فلما وجدوها في متاعهم { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي } ؟ أي : ماذا نريد ؟ { هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا } كما قال قتادة . ما نبغي وراء هذا{[15226]} ؟ إن بضاعتنا ردت إلينا وقد أوفي لنا الكيل .

{ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } أي : إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا ، { وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، كان يعطي كل رجل حمل بعير . وقال مجاهد : حمل حمار . وقد يسمى في بعض اللغات بعيرا ، كذا قال .

{ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } هذا من تمام الكلام وتحسينه ، أي : إن هذا يسير في مقابلة أخذ أخيهم ما يعدل هذا .


[15226]:- في أ : "هذه".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ} (65)

وقوله : { فتحوا متاعهم } سمى المشدود المربوط بحملته متاعاً ، فلذلك حسن الفتح فيه ، قرأ جمهور الناس : «رُدت » بضم الراء ، على اللغة الفاشية عن العرب ، وتليها لغة من يشم ، وتليها لغة من يكسر . وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب «رِدت » بكسر الراء على لغة من يكسر - وهي في بني ضبة - ، قال أبو الفتح : وأما المعتل - نحو قيل وبيع - فالفاشي فيه الكسر ، ثم الإشمام ، ثم الضم ، فيقولون : قول وبوع ، وأنشد ثعلب : [ الرجز ]

. . . . . . . . وقول لا أهل له ولا مال{[6745]}*** قال الزجاج : من قرأ : «رِدت » بكسر الراء - جعلها منقولة من الدال - كما فعل في قيل وبيع - لتدل على أن أصل الدال الكسرة .

وقوله { ما نبغي } يحتمل أن تكون { ما } استفهاماً ، قاله قتادة . و { نبغي } من البغية ، أي ما نطلب بعد هذه التكرمة ؟ هذا مالنا رد إلينا مع ميرتنا . قال الزجّاج : ويحتمل أن تكون { ما } نافية ، أي ما بقي لنا ما نطلب ، ويحتمل أيضاً أن تكون نافية ، و { نبغي } من البغي ، أي ما تعدينا فكذبنا على هذا الملك ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة .

وقرأ أبو حيوة «ما تبغي » - بالتاء ، على مخاطبة يعقوب ، وهي بمعنى : ما تريد وما تطلب ؟ قال المهدوي : وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأت فرقة : «ونَمير » بفتح النون - من مار يمير : إذا جلب الخير ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الوافر ]

بعثتك مائراً فمكثت حولاً*** متى يأتي غياثك من تغيث{[6746]}

وقرأت عائشة رضي الله عنها : «ونُمير » بضم النون - وهي من قراءة أبي عبد الرحمن السلمي - وعلى هذا يقال : مار وأمار بمعنى*** . ؟

وقولهم : { ونزداد كيل بعير } يريدون بعير أخيهم إذ كان يوسف إنما حمل لهم عشرة أبعرة ولم يحمل الحادي عشر لغيب صاحبه : وقال مجاهد : { كيل بعير } أراد كيل حمار . قال : وبعض العرب يقول للحمار بعير .

قال القاضي أبو محمد : وهذا شاذ .

وقولهم : { ذلك كيل يسير } تقرير بغير ألف ، أي أذلك كيل يسير في مثل هذا العام فيهمل أمره ؟ وقيل : معناه : { يسير } على يوسف أن يعطيه . وقال الحسن البصري : وقد كان يوسف وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن ؛ وقال السدي : معنى { ذلك كيل يسير } أي سريع لا نحبس فيه ولا نمطل .

قال القاضي أبو محمد : فكأنهم أنسوه على هذا بقرب الأوبة .


[6745]:هذا عجز بيت، أورده في (اللسان – قول)، و (المنصف 1ـ 250)، و (المحتسب 1ـ 345)، وهو بتمامه: وابتذلت غضبي وأم الرحـــال وقول لا أهل له ولا مال وفي (اللسان): "وابتدأت" بدلا من و "ابتدلت". وقال ابن جني في "المحتسب": "وأظنه عن أحمد بن يحيى".
[6746]:يقال: مار أولاده وأهله يميرهم ميرا فهو مائر، فالمائر: اسم فاعل، والميرة: الطعام يأتي به الإنسان، وهم يمتارون لأنفسهم، ويميرون غيرهم، والميار: جالب الميرة، والميار: جمع مائر.