اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ} (65)

قوله تعالى : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } الآية : المتاعُ : ما يصلح لأن يُستمتع به ، وهو عامًّ في كلِّ ما يُسْتَمْتعُ به ، والمراد به ههنا : الطعامُ الذي حملوه ، ويجوز أن يرادُ به أوعيةُ الطعام ، { وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ } ، ثمن البضاعة .

{ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } ؛ قرأ الأكثرون بضمِّ الراء ، وقرأ علقمة ويحيى ، والأعمش : " رِدَّتْ " بكسر الرَّاءِ ، على نقل حركة الدَّال المدغمةِ إلى الراء بعد توهُّم خلوها من حركتها ، وهي لغةُ بني ضبَّة .

على أنَّ قطرُباً حكى عن العرب : نقل حركةِ العين إلى الفاء في الصحيح ؛ فيقولون : ضِرْبُ زَيْد ، بمعنى : ضُرِبَ زيد ، و قد تقدم ذلك في قوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ } [ الأنعام : 28 ] في الأنعام .

قوله : " مَا نَبْغِي " في " مَا " هذه وجهان :

أظهرهما : أنها استفهاميةٌ ، فهي مفعولٌ مقدمٌ ، واجبُ التقديم ؛ لأن لها صدر الكلام ، أي : أيَّ شيء نبغِي ، أعطانا الطعام على أحسنِ الوجوه ، فأي شيء نبغي وراء ذلك .

والثاني : أن تكون نافية ولها معنيان :

أحدهما : قال الزجاج رحمه الله : ما بقي لنا ما نطلبُ ، أي : بلغَ الإكرامُ إلى غايةٍ ، ما نَبْغِي وراءها شيئاً آخر . وقيل : المعنى أنَّه ردَّ بضاعتنا إلنا ، فنحن لا نَبْغِي عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى ، فإنَّ هذه التي معنا كافية لنا .

والثاني : ما نَبْغِي ، من البَغْيِ ، أي : ما أفْتريْنا ، ولا كذبنا على هذا الملك في إكرامهِ وإحسانه .

قال الزمخشريُّ : " ما نَبْغِي في القولِ ، ومانتزيَّد فيما وصفنا لك من إحسانِ الملكِ " .

وأثبت القرأء هذه الياء في " نَبْغِي " وصلاً ووقفاً ، ولم يجعلوها من الزَّوائد ، بخلاف التي في الكهفِ ، في قوله عزَّ وجلَّ : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } [ الكهف : 64 ] ، والفرقُ أنَّ " ما " هناك موصولةٌ ، فحذف عائدها ، والحذف يؤنس بالحذف .

وهذه عبارةٌ مستفيضة عند أهلِ هذه الصناعة ؛ يقولون : التغييرُ يُؤنسُ بالتغيير ، بخلافها هنا ، فإنها : إما إستفهاميةٌ ، وإما نافيةٌ ، ولا حذف على القولين حتى يؤنس بالحذفِ .

وقرأ عبدالله ، وأبو حيوة ، وروتها عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما تَبْغِي " بالخطاب و " مَا " تحتملُ الوجهين أيضاً في هذه القراءةِ ، والجملة من قوله : " هَذِه بِضَاعَتُنَا " يحتملُ أن تكون مفسرةً لقولهم " مَا نَبْغِي " وأن تكون مستأنفة .

قوله " ونميرُ " معطوفةٌ على الجملة الاسميةِ ، وإذا كانت " مَا " نافية جاز أن تعطف على " نَبْغِي " فيكون عطف جملة فعلية على مثلها .

وقرأت عائشة ، وأبو عبد الرحمن رضي الله عنهما " ونُمِيرُ " من أمارهُ إذا جعل لَهُ المِيرَة ، يقال : مَارَهُ يَمِيرهُ ، وأمَارَهُ يُمِيرُه ، والمِيرَةُ : جَلْبُ الخَيْرِ ؛ قال : [ الوافر ]

3118 بَعَثْتُكَ مَائراً فَمَكثْتَ حَوْلاً *** مَتَى يَأتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ

والبعير لغة يقع على الذكر خاصة ، وأطلقه بعضهم على الناقةِ أيضاً وجعلهُ نظير " إنْسَانٍ " ويجوز كسر بائه إتباعاً لعينه ، ويجمع في القلَّة على أبعرة ، وفي الكثرة على بعران .

والمعنى : ونزدادُ كيل بعيرٍ بسبب حُضُور أخينا ؛ لأنه كان يكيلُ لكل رجلٍ حمل بعير .

ثم قال : { ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ } قال مقاتل رحمه الله : ذلك كيلٌ يسير على هذا الرجل المحسن ، وحرصه على البذل ، وهو اختيار الزجاج .

وقيل : { ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ } ، أي قصير المدة ليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحَبْسِ والتَّأخير . وقيل : ذلك الذي يدفع إلينا بدُون أخينا شيئاً يسيراً قليلاً ، لا يكفينا وأهلنا ؛ فابعثْ أخانا معنا ؛ لكي يكثر ما نأخذه .

وقال مجاهدٌ : البعِيرُ ههنا الحمارُ ، " كَيْلُ بعيرٍ " أي : حِمْلُ حمار ، وهي لغة ، يقال للحَمير بَعِير ، وهم كانوا أصحاب حُمُر ، والأول أصحُّ ؛ بأنه البعيرُ المعروف .