البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ} (65)

مار يمير ، وأمار يمير ، إذا جلب الخير وهي الميرة قال :

بعثتك مائراً فمكثت حولاً *** متى يأتي غياثك من تغيث

البعير في الأشهر الجمل مقابل الناقة ، وقد يطلق على الناقة ، كما يطلق على الجمل فيقول : على هذا نعم البعير ، الجمل لعمومه ، ويمتنع على الأشهر لترادفه .

وفي لغة تكسر باؤه ، ويجمع في القلة على أبعرة ، وفي الكثرة على بعران .

{ ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون }

قرأ علقمة ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، ردت بكسر الراء ، نقل حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من الضمة ، وهي لغة لبني ضبة ، كما نقلت العرب في قيل وبيع .

وحكى قطرب : النقل في الحرف الصحيح غير المدغم نحو : ضرب زيد ، سموا المشدود المربوط بجملته متاعاً ، فلذلك حسن الفتح فيه وما نبغي ، ما فيه استفهامية أي : أي شيء نبغي ونطلب من الكرامة هذه أموالنا ردت إلينا قاله قتادة .

وكانوا قالوا لأبيهم : قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة ، لو كان رجلاً من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته .

وقال الزجاج : يحتمل أن تكون ما نافية أي : ما بقي لنا ما نطلب .

ويحتمل أيضاً أن تكون نافية من البغي أي : ما افترينا فكذبنا على هذا الملك ، ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة ، وهذا معنى قول الزمخشري ما نبغي في القول ما تتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك والكرامة .

وقيل : معناه ما نريد منك بضاعة أخرى .

وقرأ عبد الله وأبو حيوة : ما تبغي بالتاء على خطاب يعقوب ، وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل ما في هذه القراءة الاستفهام والنفي كقراءة النون .

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : ونميز بضم النون ، والجملة من قولهم هذه بضاعتنا ردت إلينا موضحة لقولهم : ما نبغي ، والجمل بعدها معطوفة عليها على تقدير : فنستظهر بها ونستعين بها ونمير أهلنا في رجوعنا إلى الملك ، ونحفظ أخانا فلا يصيبه شيء مما تخافه .

وإذا كان ما نبغي ما نتزيد وما نكذب ، جاز أن يكون ونمير معطوفاً على ما نبغي أي : لا نبغي فيما نقول ، ونمير أهلنا ونفعل كيت وكيت .

وجاز أن يكون كلاماً مبتدأ ، وكرروا حفظ الأخ مبالغة في الحض على إرساله ، ونزداد باستصحاب أخينا وسق بعير على أوساق بعيرنا ، لأنه إنما كان حمل لهم عشرة أبعرة ، ولم يحمل الحادي عشر لغيبة صاحبه .

والظاهر أنّ البعير هو من الإبل .

وقال مجاهد : كيل حمار ، قال : وبعض العرب تقول للحمار : بعير ، وهذا شاذ .

والظاهر أنّ قوله : ذلك كيل يسير ، من كلامهم لا من كلام يعقوب ، والإشارة بذلك الظاهر أنها إلى كيل بعير أي : يسير ، بمعنى قليل ، يجيبنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه ، أو يسير بمعنى سهل متيسر لا يتعاظمه .

وقيل : يسير عليه أن يعطيه .

وقال الحسن : وقد كان يوسف عليه السلام وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن .

قال الزمخشري : أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعني : ما يكال لهم ، فازدادوا إليه ما يكال لأخيه .

ويجوز أن يكون من كلام يعقوب أي : حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد ، كقوله : ذلك ليعلم انتهى .

ويعني أن ظاهر الكلام أنه من كلامهم ، وهو من كلام يعقوب ، كما أن قوله : ذلك ليعلم ، ظاهره أنه من كلام امرأة العزيز ، وهو من كلام يوسف .

وهذا كله تحميل للفظ القرآن ما يبعد تحميله ، وفيه مخالفة الظاهر لغير دليل .