تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

{ قَالُوا } أي : بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم{[19466]} موسى وقرعهم : { مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي : عن قدرتنا واختيارنا .

ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد ، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حُلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم ، حين خرجوا من مصر ، { فَقَذَفْنَاهَا } أي : ألقيناها عنا . وقد تقدم في حديث " الفتون " أن هارون عليه السلام هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار .

وفي رواية السُّدِّيّ ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : إنما أراد هارون أن يجتمع الحُلي كله في تلك الحفيرة{[19467]} ويجعل حجرًا واحدًا . حتى إذا رجع موسى يرى{[19468]} فيه ما يشاء . ثم جاء [ بعد ]{[19469]} ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول ، وسأل هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته ، فدعا له هارون - وهو لا يعلم ما يريد - فأجيب له{[19470]} فقال السامري عند ذلك : أسأل الله أن يكون عجلا . فكان عجلا له خُوار ، أي : صوت ، استدراجًا وإمهالا ومحنة واختبارًا ؛ ولهذا قالوا : { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ }

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبادة بن البَخْتَريّ{[19471]} حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حَمَّاد عن سماك ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ؛ أن هارون مَرَّ بالسامري وهو ينحت العجل ، فقال له : ما تصنع ؟ فقال : أصنع ما يضر ولا ينفع فقال هارون : اللهم اعطه ما سأل على ما في نفسه ومضى هارون ، فقال{[19472]} السامري : اللهم إني أسألك أن يَخُور فَخَار ، فكان إذا خار سجدوا له ، وإذا خار رفعوا رؤوسهم .

ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال : [ أعمل ]{[19473]} ما ينفع ولا يضر .

وقال السدي : كان يخور ويمشي .

فقالوا - أي : الضُّلال منهم ، الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه - : { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } أي : نسيه هاهنا ، وذهب يتطلبه . كذا تقدم في حديث " الفتون " عن ابن عباس . وبه قال مجاهد .

وقال سِماك عن عكرمة عن ابن عباس : { فَنَسِيَ } أي : نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم .

وقال محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فقالوا : { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } قال : فعكفوا عليه وأحبوه حبًّا لم يحبوا شيئًا قط يعني مثله ، يقول الله : { فَنَسِيَ } أي : ترك ما كان عليه من الإسلام يعني : السامري .


[19466]:في أ: "نبيهم".
[19467]:في ف: "الحفرة".
[19468]:في ف، أ: "رأى".
[19469]:زيادة من ف، أ.
[19470]:في ف، أ: "فيه".
[19471]:في ف: "البحتري".
[19472]:في ف: "وقال".
[19473]:زيادة من ف، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

وقرأ نافع وعاصم «بمَلكنا » بفتح الميم ، وقرأ حمزة والكسائي «بمُلكنا » بضمة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «بمِلكنا » بكسرة ، قال أبو علي هذه لغات ع ظاهر هذا الكلام أنها بمعنى واحد ولكن إن أبا علي وغيره قد فرق بين معانيها فأما ضم الميم فمعناه على قول أبي علي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بقوته وسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري وليس المعنى أن لهم ملكاً وإنما هذا كقول ذي الرمة : [ البسيط ]

لا يشتكي سقط منها وقد رقصت . . . بها المفاوز حتى ظهرها حدب{[1]}

إذ لا تكون منها سقطة فتشتكي ، قال وهذا كقوله تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً }{[2]} [ البقرة : 273 ] أي ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف ع وهذا كله في هذه الأمثلة غير متيقن من قول أبي علي وإنما مشى في ذلك على أثر الزجاج دون تعقب وقد شرحت هذا المعنى في سورة البقرة في تفسير { لا يسألون الناس إلحافاً } [ البقرة : 273 ] وبين أن هذه ليست كهذه الأمثلة لأنهم لم يرفعوا الإخلاف فيها والأمثلة فيها رفع الوجهين{[3]} ، وأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا ، وأما كسر الميم فقط كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل والمفعول مقدر أي «بملكنا الصواب » ، وهذا كما قد يضاف أحياناً إلى المفعول والفاعل مقدر كقوله تعالى : { بسؤال نعجتك }{[4]} [ ص : 24 ] ومن دعاء الخير{[5]} ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم «حُمّلنا » بضم الحاء وشد الميم ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «حَمَلنا » بفتح الحاء والميم{[6]} . و «الأوزار » الأثقال ، وتحتمل هذه التسمية أن تكون من حيث هي ثقيلة الأجرام ، ويحتمل أن يكون من حيث آمنوا في قذفها وظهر لهم أن ذلك هو الحق فكانت آثاماً لمن حملها . وقوله { فكذلك ألقى } أي فكما قذفنا نحن { فكذلك } أيضاً { ألقى السامري } ما كان بيده ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.