إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

{ قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ } أي وعدَنا إياك الثباتَ على ما أمرتَنا به ، وإيثارُه على أن يقال : موعدَنا على إضافة المصدرِ إلى فاعله لما مر آنفاً { بِمَلْكِنَا } أي بأن ملَكنا أمورَنا يعنون أنا لو خُلّينا وأمورَنا ولم يسوّل لنا السامريّ ما سوله مع مساعدة بعضِ الأحوالِ لما أخلفناه ، وقرئ بمِلْكنا بكسر الميم وضمِّها والكلُّ لغاتٌ في مصدر ملَكتُ الشيءَ { ولكنا حُمّلْنَا أَوْزَاراً مّن زِينَةِ القوم } استدراكٌ عما سبق واعتذارٌ عما فعلوا ببيان منشأ الخطأ ، وقرئ حَمَلنا بالتخفيف أي حمَلْنا أحمالاً من حُليِّ القِبْط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصرَ باسم العُرس ، وقيل : كانوا استعاروها لعيد كان لهم ثم لم يردّوها إليهم عند الخروجِ مخافةَ أن يقفوا على أمرهم ، وقيل : هي ما ألقاه البحرُ على الساحل بعد إغراقهم فأخذوها ، ولعل تسميتهم لها أوزاراً لأنها تبعاتٌ وآثامٌ حيث لم تكن الغنائمُ تحِلّ حينئذ { فَقَذَفْنَاهَا } أي في النار رجاءً للخلاص عن ذنبها { فَكَذَلِكَ } أي فمثلَ ذلك القذف { أَلْقَى السامري } أي ما كان معه منها وقد كان أراهم أنه أيضاً يُلقي ما كان معه من الحُليّ فقالوا ما قالوا على زعمهم ، وإنما كان الذي ألقاه التربةَ التي أخدها من أثر الرسولِ كما سيأتي ، روي أنه قال لهم : إنما تأخر موسى عنكم لما معكم من الأوزار فالرأي أن نحفِرَ حفيرةً ونسجّر فيها ناراً ونقذفَ فيها كلَّ ما معنا ففعلوا .