فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

فتوقفوا فأجابوه ، و{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ } الذي وعدناك { بِمَلْكِنَا } بفتح الميم ، وهي قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم وعيسى بن عمر ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأنها على اللغة العالية الفصيحة ، وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكاً ، والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف ، أي بملكنا أمورنا ، أو بملكنا الصواب ، بل أخطأنا ولم نملك أنفسنا وكنا مضطرين إلى الخطأ ، وقرأ حمزة والكسائي : «بملكنا » بضمّ الميم ، والمعنى بسلطاننا ، أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك . وقيل : إنّ الفتح والكسر والضم في : «بملكنا » كلها لغات في مصدر ملكت الشيء { ولكنا حُمّلْنَا أَوْزَاراً من زِينَةِ القوم } قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبو جعفر ورويس : «حملنا » بضم الحاء وتشديد الميم ، وقرأ الباقون بفتح الحاء والميم مخففة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأنهم حملوا حلية القوم معهم باختيارهم ، وما حملوها كرهاً ، فإنهم كانوا استعاروها منهم حين أرادوا الخروج مع موسى ، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة . وقيل : هو ما أخذوه من آل فرعون لما قذفهم البحر إلى الساحل ، وسميت أوزاراً ، أي آثاماً ؛ لأنه لا يحلّ لهم أخذها ، ولا تحل لهم الغنائم في شريعتهم والأوزار في الأصل : الأثقال ، كما صرح به أهل اللغة ، والمراد بالزينة هنا : الحليّ { فَقَذَفْنَاهَا } أي : طرحناها في النار طلباً للخلاص من إثمها . وقيل : المعنى طرحناها إلى السامريّ لتبقى لديه حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري } أي فمثل ذلك القذف ألقاها السامريّ . قيل : إن السامريّ قال لهم حين استبطأ القوم رجوع موسى : إنما احتبس عنكم لأجل ما عندكم من الحليّ ، فجمعوه ودفعوه إليه ، فرمى به في النار وصاغ لهم منه عجلاً .

/خ91