تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم قال موسى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : وما أحسنت إلي وربَّيْتني مقابل ما أسأتَ إلى{[21702]} بني إسرائيل ، فجعلتهم عبيدا وخدما ، تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك ، أفَيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم ؟ أي : ليس ما ذكرتَه شيئا بالنسبة إلى ما فعلتَ بهم .


[21702]:- في ف ، أ : "على".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم حاجه عليه السلام في منه عليه بالتربية وترك القتل بقوله { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } ، واختلف الناس في تأويل هذا الكلام ، فقال قتادة هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة كأنه يقول أو يصح لك أن تعتمد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلهم ، أي ليست نعمة لأن الواجب كان ألا يقتلني وألا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ، وقرأ الضحاك «وتلك نعمة ما لك أن تمنها » ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وقال الأخفش قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى «أو تلك » وهذا لا يجوز إلا إذا عادلتها أم كما قال «تروح من الحي أم تبتكر »{[8918]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول تكلف{[8919]} ، قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف وهو صحيح كما قال قتادة والله المعين ، وقال السدي والطبري هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه يقول تربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ولكن ذلك لا يدفع رسالتي{[8920]} .

قال القاضي أبو محمد : ولكل وجه ناحية من الاحتجاج فالأول ماض في طريق المخالفة لفرعون ونقض كلامه كله ، والثاني مبد من موسى عليه السلام أنه منصف من نفسه معترف بالحق ، ومتى حصل أحد المجادلين في هذه الرتبة وكان خصمه في ضدها غلب المتصف بذلك وصار قوله أوقع في النفوس .


[8918]:القائل هو امرؤ القيس، وهذا صدر بيت من قصيدة قالها يصف فرسه وخروجه إلى الصيد، والبيت بتمامه: تروح من الحي أم تبتكر وماذا عليك بأن تنتظر؟ والرواح: السير في العشي، والابتكار: الخروج مبكرا، يقول: أتروح في آخر النهار أم تخرج مبكرا؟ ولماذا تتعجل الذهاب ؟ وماذا عليك لو انتظرت فالانتظار خير لك؟ والشاهد حذف ألف الاستفهام في (تروح)، إذ أصلها: أتروح؟ والدليل هو وجود (أم) في الكلام.
[8919]:قال النحاس: وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام (أم)، ولكن الفراء قال: يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشك، وحكى: ترى زيد منطلقا؟ بمعنى: أترى، وعلق علي بن سليمان على كلام الفراء بقوله:إنما أخذه من ألفاظ العامة، وقال الثعلبي حكاية عن الفراء: إن الآية إنكار من موسى عليه السلام على طريق الاستفهام الذي حذفت ألفه، كقوله تعالى: {هذا ربي} وقوله: {فهم الخالدون}، وكقول الشاعر: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم؟ وأنشد الغزنوي شاهدا على ترك الألف قولهم: لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق وقولها والركاب واقفة تركتني هكذا وتنطلق؟ قال القرطبي: ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم (أم) خلاف قول النحاس.
[8920]:وهناك رأي ثالث قاله الضحاك وهو أن الكلام خرج مخرج التبكيت، والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام، والمعنى: لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي، فأي نعمة لك علي؟ فأنت تمن علي بما لا يجب أن تمن به؟.