وقوله : { بَلِ ادَّارَكَ{[22137]} عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي : انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها .
وقرأ آخرون : " بل أدرك{[22138]} علمهم " ، أي : تساوى علمهم في ذلك ، كما في الصحيح لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل - وقد سأله عن وقت الساعة - ما المسؤول عنها بأعلم من السائل{[22139]} أي : تساوى في العجز عن دَرْك ذلك علم المسؤول والسائل .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { بَلِ ادَّرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة } أي : غاب .
وقال قتادة : { بَلِ ادَّارَكَ{[22140]} عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ } يعني : يُجَهِّلهم{[22141]} ربهم ، يقول : لم ينفذ{[22142]} لهم إلى الآخرة علم ، هذا قول .
وقال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : " بل أدرك علمهم في الآخرة " حين لم ينفع العلم ، وبه قال عطاء الخراساني ، والسدي : أن علمهم إنما يُدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك ، كما قال تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [ مريم : 38 ] .
وقال سفيان ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقرأ : " بل أدرك علمهم " قال : اضمحل علمهم في الدنيا ، حين عاينوا الآخرة .
وقوله : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } عائد على الجنس ، والمراد الكافرون ، كما قال تعالى : { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } [ الكهف : 48 ] أي : الكافرون منكم . {[22143]} وهكذا قال هاهنا : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي : شاكُّون في وجودها ووقوعها ، { بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ } أي : في عمَاية وجهل كبير في أمرها وشأنها .
وقرأ جمهور القراء «بل ادارك » أصله تدارك أدغمت التاء في الدال بعد أن أبدلت ثم احتيج إلى ألف الوصل ، وقرأ أبي بن كعب فيما روي عنه «تدارك » فيما روي عنه{[9054]} ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «بل ادرك » على وزن افتعل{[9055]} وهي بمعنى تفاعل ، وقرأ سليمان بن يسار{[9056]} وعطاء بن يسار{[9057]} «بلَ ادّرك » بفتح اللام ولا همزة تشديد الدال دون ألف{[9058]} ، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وأهل مكة ، «بل أدرك »{[9059]} ، وقرأ مجاهد «أم أدرك » بدل «بل » ، وفي مصحف أبي بن كعب «أم تدارك علمهم »{[9060]} ، وقرأ ابن عباس «بل أدرك »{[9061]} وقرأ ابن عباس أيضاً «بل آدارك » بهمزة ومدة على جهة الإستفهام{[9062]} ، وقرأ ابن محيصن «بل آدرك » على الاستفهام ونسبها أبو عمرو الداني إلى ابن عباس والحسن{[9063]} .
فأما قراءة الاستفهام فهي على معنى الهزء بالكفر والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم أي أعلموا أمر الآخرة وأدركها علمهم ؟ وأما القراءات المتقدمة{[9064]} فتحتمل معنيين أحدهما «بل أدرك علمهم » أي تناهى كما تقول أدرك النبات وغيره وكما تقول هذا ما أدرك علمي من كذا وكذا فمعناه قد تتابع وتناهى علمهم بالآخرة إلى أن لا يعرفوا لها مقداراً فيؤمنوا ، وإنما لهم ظنون كاذبة أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتاً وكذلك «ادرك وتدارك » وسواها وإن جملت هذه القراءة معنى التوقيف والإستفهام ساغ وجاء إنكاراً لأن أدركوا شيئاً نافعاً ، والمعنى الثاني «بل أدرك » بمعنى يدرك أي إنهم في الآخرة يدرك علمهم وقت القيامة ، ويرون العذاب والحقائق التي كذبوا بها وأما في الدنيا فلا . وهذا هو تأويل ابن عباس ونحى إليه الزجاج ، فقوله { في الآخرة } على هذا التأويل ظرف ، وعلى التأويل الأول { في } بمعنى الباء ، و «العلم » قد يتعدى بحرف الجر تقول علمي يزيد كذا ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
وعلمي بإسدام المياه . . . . . . البيت{[9065]} .
ثم وصفهم عز وجل بأنهم { في شك منها } ثم أردف بصفة هي أبلغ من الشك وهي العمى بالجملة عن أمر الآخرة ، و { عمون } أصله عميون كحذرون وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.