غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

45

وحين ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب ولا يشعرون البعث الكائن ووقته بين أن عندهم عجزاً آخر أبلغ منه وهو أنهم ينكرون الأمر الكائن مع أن عندهم أسباب معرفته فقال : { بل ادّارك } أي تدارك . ومن قرأ بغير الألف فهو " افتعل " من الدرك أي تتابع واستحكم . ومعنى أدرك بقطع الهمزة انتهى وتكامل علمهم في الآخرة أي في شأنها ومعناها ، ويمكن أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكماً بهم كما يقول لأجل الناس : ما أعلمك . وإذا لم يعرفوا نفس البعث يقيناً فلأن لا يعرفوا وقته أولى . ويحتمل أن تكون أدرك بمعنى انتهى وفني من قولهم " أدركت الثمرة " لأن تلك غايتها التي عندها تعدم . وقد فسره الحسن باضمحل علمهم وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك ، وصفهم أوّلاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم أضرب عن ذلك قائلاً إنهم لا يعلمون القيامة فضلاً عن وقتها ثم إن عدم العلم قد يكون مع الغفلة الكلية فأضرب عن ذلك قائلاً إنهم ليسوا غافلين بالكلية ولكنهم في شك ومرية ، ثم إن الشك قد يكون بسبب عدم الدليل فأضرب عن ذلك قائلاً إنهم عمون عن إدراك الدليل مع وضوحه ، وقد جعل الآخرة مبدأ أعمالهم ومنشأه فلهذا عداه بمن دون " عن " والضمائر تعود إلى من في السموات والأرض . وذلك أن المشركين كانوا في جملتهم فنسب فعلهم إلى الجميع كما يقال : بنو فلان فعلوا . وإنما فعله ناس منهم قاله في الكشاف . قلت : قد تقدّم ذكر المشركين في قوله { بل هم قوم يعدلون } وغيره فلا حاجة إلى هذا التكلف ولو لم يتقدّم جاز للقرينة .

/خ66