سورة   النمل
 
السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

وقوله تعالى : { بل } بمعنى هل { أدارك } أي : بلغ وتناهى { علمهم في الآخرة } أي : بها حتى سألوا عن وقت مجيئها ، ليس الأمر كذلك { بل هم في شك } أي : ريب { منها } كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلاً { بل هم منها عمون } لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم ، وهذا وإن اختص بالمشركين بمن في السماوات والأرض ، نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل .

فإن قيل : هذه الاضرابات الثلاثة ما معناها ؟ أجيب : بأنها لتنزيل أحوالهم وصفهم أوّلاً بأنّهم لا يشعرون بوقت البعث ، ثم بأنهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة ، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً ولا يفكر في عاقبة وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون ، ووصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكماً .

وقرأ أبو عمرو وابن كثير بقطع الهمزة مفتوحة وسكون اللام قبلها وسكون الدال بعدها ، والباقون بكسر اللام وإسقاط الهمزة بعدها وتشديد الدال وبعدها ألف بمعنى تتابع حتى استحكم أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك .