محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

{ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ } .

{ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ } قال السمين : فيه وجهان : أحدهما – أن { في } على بابها ، و { ادارك } وإن كان ماضيا لفظا ، فهو مستقبل معنى . لأنه كائن قطعا . كقوله {[5974]} : { أتى أمر الله } .

وعلى هذا ف { في } متعلق ب { ادارك } .

والثاني – أن { في } بمعنى الباء . أي بالآخرة .

وعلى هذا فيتعلق بنفس علمهم . كقولك ( علمي بزيد كذا ) انتهى .

والوجه الثاني على الاستفهام . أي بل هل ادارك علمهم فيها ، أي بلغ وانتهى ؟ كلا وقد قرئ { بل أءدرك } بهمزتين و { بل آءدرك } بألف بينهما و { أم أدرك } و { أم تدارك } .

قال الرازي : وهي ( أم ) التي بمعنى ( بل ) والهمزة . فالمعنى على الاستفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم بها ، وأنهم لم يبرحوا في حضيض الجهالة بحقيتها ، مع ما يتلى عليهم من أدلة ثبوتها .

وقد جنح إلى الكلام على تقدير الاستفهام ، السيوطي والمهايمي . وذهب غيرهما إلى إبقاء ( بل ) على أصلها من الإضراب الانتقالي . وقرروه بما فيه خفاء ودقة ويبعده ما ذكرنا من القراءات الصريحة في الاستفهام . وهي مما يرجع إليها إذا اشتبه المقام . كما تقرر في قواعد التفسير { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } أي مرية ، مع تقرير ما يزيله ويكشف غشاوته { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ } أي في عماية وجهل كبير .

قال الزمخشري : فإن قلت : هذه الإضرابات الثلاثة ما معناها ؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم : وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث . ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة . ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية ، فلا يزيلونه . والإزالة مستطاعة . ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض ، كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم ، لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ؟ ثم بما هو أسوأ حالا ، وهو العمى وان يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه ، لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة . وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه . فلذلك عداه ب ( من ) دون ( عن ) لأن الكفر بالعاقبة والجزاء ، هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون . انتهى .


[5974]:(16 النحل 1).