فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

{ بل ادّارك } أصله تدارك ، وقرئ أدرك من الإدراك وقرئ بل أدرك بفتح لام بل ، وتشديد الدال ، وأدرك على الاستفهام ، وقرئ بل تدارك ، بإثبات التاء ، ومعنى الآية بل تكامل .

{ علمهم في الآخرة } لأنهم رأوا كل ما وعدوا به وعاينوه ، وقيل : معناه تتابع وتلاحق ، والقراءة الثانية معناها كمل علمهم في الآخرة مع المعاينة ، وذلك حين لا ينفعهم العلم لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين ، وقال الزجاج : إنه على معنى الإنكار . واستدل على ذلك بقوله : فيما بعد : بل هم منها عمون أي لم يدرك علمهم علم الآخرة : وقيل : المعنى بل ضل وغاب علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم .

ومعنى الثالثة كالأولى ، فافتعل وتفاعل ، قد يجيئان لمعنى . والرابعة هي بمعنى الإنكار . قال الفراء : وهو وجه حسن كأنه وجهه إلى المكذبين على طريق الاستهزاء بهم ، وفي الآية قراءات أخر لا ينبغي الاشتغال بذكرها وتوجيهها .

وعن ابن عباس قال : بل إدراك علمهم في الآخرة حين لا ينفع الندم وعنه قال : لم يدرك علمهم ، وعنه : أنه قرأها بالاستفهام ، وعنه قال : غاب علمهم .

{ بل هم في شك منها } أي بل هم اليوم في الدنيا في شك من الآخرة ثم أضرب عن ذلك إلى ما هو أشر منه فقال : { بل هم منها عمون } فلا يدركون شيئا من دلائلها لاختلال بصائرهم التي يكون بها الإدراك و ( عمون ) جمع عم ، وهو من كان أعمة القلب ، والمراد بيان جهلهم بها على وجه لا يهتدون إلى شيء مما يوصل إلى العلم بها فمن قال : إن معنى الآية الأولى أنه كمل علمهم وتم مع المعاينة ، فلا بد من حمل قوله بل هم في شك الخ على ما كانوا عليه في الدنيا ، ومن قال : إن معنى الآية الأولى الاستهزاء بهم والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله بل هم شك الخ بما كانوا عليه في الدنيا وبهذا يتضح معنى هذه الآيات ويظهر ظهورا بينا ، والاضطرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم .