فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

{ بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة } . قرأ الجمهور { ادّارك } . وأصل ادارّك : تدارك ، أدغمت التاء في الدال ، وجيء بهمزة الوصل ليمكن الابتداء بالساكن . وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمر وحميد : { بل أدرك } من الإدراك . وقرأ عطاء بن يسار وسليمان بن يسار والأعمش : " بل ادّرك " بفتح لام بل ، وتشديد الدال . وقرأ ابن محيصن : " بل أدرك " على الاستفهام .

وقرأ ابن عباس وأبو رجاء وشيبة والأعمش والأعرج : " بلى أدّارك " بإثبات الياء في بل وبهمزة قطع وتشديد الدال . وقرأ أبيّ " بل تدارك " ومعنى الآية : بل تكامل علمهم في الآخرة ؛ لأنهم رأوا كل ما وعدوا به وعاينوه . وقيل معناه : تتابع علمهم في الآخرة ، والقراءة الثانية معناها : كمل علمهم في الآخرة مع المعاينة ، وذلك حين لا ينفعهم العلم ؛ لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين . وقال الزجاج : إنه على معنى الإنكار ، واستدلّ على ذلك بقوله فيما بعد { بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } أي لم يدرك علمهم علم الآخرة ، وقيل المعنى : بل ضلّ ، وغاب علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم ، ومعنى القراءة الثالثة كمعنى القراءة الأولى ، فافتعل وتفاعل قد يجيئان لمعنى ، والقراءة الرابعة هي بمعنى الإنكار . قال الفراء : وهو وجه حسن كأنه وجهه إلى المكذبين على طريق الاستهزاء بهم ، وفي الآية قراءات أخر لا ينبغي الاشتغال بذكرها وتوجيهها . { بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا } أي بل هم اليوم في الدنيا في شك من الآخرة ، ثم أضرب عن ذلك إلى ما هو أشدّ منه فقال : { بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } فلا يدركون شيئاً من دلائلها لاختلال بصائرهم التي يكون بها الإدراك ، وعمون جمع عم : وهو من كان أعمى القلب ، والمراد بيان جهلهم بها على وجه لا يهتدون إلى شيء مما يوصل إلى العلم بها ، فمن قال : أن معنى الآية الأولى أعني { بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة } أنه كمل علمهم ، وتمّ مع المعاينة فلابدّ من حمل قوله : { بْل هُمْ فَي شَكّ } إلخ على ما كانوا عليه في الدنيا ، ومن قال : إن معنى الآية الأولى الاستهزاء بهم ، والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله : { بْل هُمْ فَي شَكّ } إلخ بما كانوا عليه في الدنيا . وبهذا يتضح معنى هذه الآيات ، ويظهر ظهوراً بينا .

/خ66