تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، أنه آتاه الكتاب وهو التوراة .

وقوله : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } : قال قتادة : يعني به ليلة الإسراء . {[23152]} ثم روي عن أبي العالية الرّياحي قال : حدثني ابن عم نبيكم - يعني ابن عباس - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُريتُ ليلة أسري بي موسى بن عمران ، رجلا آدم طُوَالا جَعْدًا ، كأنه من رجال شَنُوءة . ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، مبسط الرأس ، ورأيت مالكًا خازن النار والدجال ، في آيات أراهن الله إياه » ، { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } ، أنه قد رأى موسى ، ولقي موسى ليلة أسري به . {[23153]}

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا الحسن بن علي الحُلْوَاني ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ، قال : جُعل موسى هُدى لبني إسرائيل ، وفي قوله : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } قال : من لقاء موسى ربه عز وجل . {[23154]}

وقوله : { وَجَعَلْنَاهُ } أي : الكتاب الذي آتيناه { هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ، [ كما قال تعالى في سورة الإسراء : { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا } [ الإسراء : 2 ] .


[23152]:- في ت: "الأسرى".
[23153]:- انظر الأثر عند تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء وتخريجه هناك.
[23154]:- المعجم الكبير للطبراني (12/160) وقال الهيثمي في المجمع (7/90): "رجاله رجال الصحيح".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

قرأ الناس «في مِرية » بكسر الميم ، وقرأ الحسن بضمها ، واختلف المتأولون في الضمير الذي في { لقائه } على من يعود ؛ فقال أبو العالية الرياحي وقتادة : يعود على موسى ، والمعنى لا تكن في شك من أن تلقى موسى ، أي في ليلة الإسراء ، وهذا قول جماعة من السلف ، وقاله المبرد حين امتحن ابا إسحاق الزجاج بهذه المسألة ، وقالت فرقة الضمير عائد على { الكتاب } أي أنه لقي موسى حين لقيه موسى ، والمصدر في هذا التأويل يصح أن يكون مضافاً للفاعل بمعنى لقي الكتاب موسى ، ويصح أن يكون مضافاً إلى المفعول بمعنى لقي الكتابَ - بالنصب - موسى ، وقال الحسن الضمير عائد على ما يتضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى ، وذلك أن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال { ولقد آتينا موسى } هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس ، وكأن الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقالت فرقة معناه فلا تكن في شك من لقائه في الآخرة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول ضعيف ، وقالت فرقة الضمير العائد على { ملك الموت } [ السجدة : 11 ] الذي تقدم ذكره ، وقوله { فلا تكن في مرية من لقائه } اعتراض بين الكلامين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أيضاً ضعيف ، و «المرية » الشك .