فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } أي : التوراة ، وإنما ذكر موسى لقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ووجود من كان على دينه إلزاما لهم : وإنما لم يختر عيسى عليه السلام للذكر والاستدلال ، لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته ، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة موسى عليه السلام ، فتمسك بالمجمع عليه .

{ فَلا تَكُن } يا محمد { فِي مِرْيَةٍ } أي شك ، وريبة { مِّن لِّقَائِهِ } قال الواحدي : قال المفسرون وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به ، وهذا قول مجاهد والكلبي والسدي ، وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة ، وستلقاه فيها وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب ، قاله الزجاج وقال الحسن : إن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فكذب وأوذي ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى ، فيكون الضمير في لقائه على هذا إلى محذوف والمعنى من لقائه : ما لاقى موسى ، قال النحاس ، وهذا قول غريب .

وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى قل : يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، فلا تكن في مرية من لقائه ، فجاء معترضا بين ولقد آتينا موسى الكتاب ، وبين قوله الآتي ، وجعلناه هدى لبني إسرائيل .

وقيل الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان ، كقوله : { وإنك لتلقى القرآن } ، والمعنى إنا قد آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي ، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وما أبعد هذا ؟ ولعل الحامل لقائله عليه قوله { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } فإن الضمير راجع إلى الكتاب ، وقيل : إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله : { ثم إلى ربكم ترجعون } ، أي لا تكن في مرية من لقاء الرجوع وهذا بعيدا جدا ، قال السمين : وهذه أقوال بعيدة ذكرت للتنبيه على ضعفها ، وأظهرها أن الضمير إما لموسى ، وإما للكتاب ، أي لا ترتب في أن موسى لقي الكتاب ، وأنزل عليه .

وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا طويلا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن جهنم ، والدجال في آيات اراهن الله إياه ، قال { فلا تكن في مرية من لقائه } ، فكان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى .

وأخرج الطبراني ، وابن مردويه والضياء في المختارة بسند – قال السيوطي صحيح .

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تكن في مرية من لقائه قال : من لقاء موسى ، قيل أو لقي موسى ؟ قال نعم ألا ترى إلى قوله واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ؟

وروى البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتيت على موسى ليلة المعراج عند الكثيب الأحمر ، وهو قائم يصلي في قبره .

وصح في حديث المعراج أيضا أنه رآه في السماء السادسة ، فلعل رؤيته كانت في قبره قبل صعوده إلى السماء ، ثم صعد إليها فوجده هناك قد سبقه لما يريده الله ، وهذا وجه الجمع بين هذين الحديثين ، على ما ذكره الخازن . واختلف في الضمير في قوله :

{ وَجَعَلْنَاه } فقيل راجع إلى الكتاب أي جعلنا التوراة { هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } قاله الحسن وغيره ، وقال قتادة إنه راجع إلى موسى ، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل .