فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

{ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل 23 وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون 24 إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون25 }

ولما تحدثت الآية الثانية والعشرون عن وعيد الله لمن كذب بآيات ربه بعد أن ذكر بها ، بينت الآية الثالثة والعشرون وعد المولى سبحانه للذين يؤمنون بالآيات ، ويستقيمون على هداها ، وينهضون بأماناتها ويصبرون على الوفاء بعهدها ، فقد أوحينا من قبلك إلى كليمنا موسى- عليه السلام- الكتاب السماوي الذي أودعناه ضياء وذكرا للمتقين ، فآمنوا بوحينا إلى من سبق من رسلنا- والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته – ولا يشكن أحد في أن الله كلم موسى تكليما{[3527]} ، وأنزل عليه كتابا كريما : )إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور . . ( {[3528]} )وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا( {[3529]} ، فآمنت طائفة بصدق الكتاب ، وقامت بحقه ، فاختارهم الله تعالى علماء ، يدعون إلى نوره ، ويعملون بمنهاجه ، )ومن قوم موسى أمه يهدون بالحق وبه يعدلون( {[3530]} ، وطائفة حملوا التوراة فلم يحملوها ، وكتبوا بأيديهم ما شاء لهم الهوى ثم قالوا : هو من عند الله ، وما هو من عند الله ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وجعلوه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا منها ، فأنذرهم الله بأنه سيفصل بين المصدقين والمكذبين ، ويقضي بين المؤمنين والكافرين فيجازي كلا بما يستحق ، وفي هذا بشارة لنا وإنذارا ، فالبشرى للذين يبلغون رسالات الله ، يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويتخذون القرآن شرعة ومنهاجا ، والوعيد لمن هجروا القرآن ، وصدوا عن سبيله ، ولم يزدجروا بنذره ، وهكذا شاء الله أن يرفع بهذا الفرقان أقواما ويضع به آخرين : )وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا( {[3531]} ، وفي الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . . والقرآن حجة لك أو عليك . . " .


[3527]:ذكر بعض المفسرين في معنى قول الله سبحانه،{فلا تكن في مرية من لقائه..} أقوالا أخرى، ومنها: فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة الإسراء أو من لقائه يوم القيامة، أو من لقائه للكتاب المنزل عليه بالقبول أو آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذب، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى.
[3528]:سورة المائدة. من الآية 44.
[3529]:سورة الإسراء. الآية 2.
[3530]:سورة الأعراف. الآية 159.
[3531]:سورة الإسراء. الآية 82.